صدم الوسط الإعلامي السعودي بالذي جرى للأستاذ جمال خاشقجي، إذ كان في مطعم مع أسرته في جدة، وسرعان ما ابتدرته رسالة من مجهول احتوت على تهديد مبطّن، ذكر فيها المجهول أنه رأى خاشقجي في المطعم الفلاني بالزاوية الفلانية بالزي الفلاني، المواصفات التي ذكرها المجهول كانت مطابقة للجلسة التي تمت. مرسل هذه الرسالة من أعضاء تنظيم «داعش»، وفيها ذكر أن هذا التنظيم في كل مكان ويستطيع الوصول إلى أي شخص. هذه القصة التي استرسل الصديق جمال بشرحها وطرح حيثياتها تبين أن هذا التنظيم الإجرامي يتمدد وله حضوره الاجتماعي والثقافي في المجتمعات الإسلامية. لقد فضح هذا التنظيم أدبيات الإسلاميين من كل الاتجاهات من «الإخوان» إلى «القاعدة»، لأنه سارع بالذهاب إلى أهداف «الإخوان» و«القاعدة» و«طالبان» من دون رتوش أو تكتيك. تنظيم «داعش» أحرق المراحل التي خططت لها «القاعدة» وتنظيمات «الإخوان». من يصدّق أن أبا محمد المقدسي صاحب كتاب «الكواشف الجليّة» والمنظّر الأبرز لـ«القاعدة» نصح تنظيم «داعش» بـ«البعد عن الغلو»، وأن الظواهري يعتبر الدواعش من «الغلاة»! هذا يدل على تجاوز «داعش» لتكتيكات «الإخوان» ودغدغات «القاعدة» العاطفية، وخطابة «الإخوان» اللفظية، إلى الأهداف. موضوع دعوة «داعش» للخلافة الإسلامية مثلا طرحت في منابر سعودية. أحد الدعاة قال أمام جمع من المصلين في خطبة الجمعة: «إنني أرى الخلافة آتية»، وسط تكبير وتهليل من الحضور. هذه ثقافة داعشية بامتياز. والدليل أن هذا الداعية عضو في «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» -وهو الاتحاد الذي كان يجب أن يسمى «الاتحاد العالمي للإخوان المسلمين»- المهم جاء في هذا البيان الذي من المفترض أنه ينتقد «داعش» ما يلي: «إن الخلافة الإسلامية وعودتها مرة أخرى أمر جلل، تتوق إليه أنفسنا جميعاً.. تفكر فيه كل عقولنا، وتهفو له كل أفئدتنا، لكن له ضوابطه الشرعية وله من الإعداد الكبير والعميق على كل المستويات». وفي موضع آخر: «إن إعلان الخلافة الإسلامية من قبل تنظيم (داعش) باطل شرعاً، ولا تترتب عليه أي آثار شرعية؛ بل تترتب عليه آثار خطيرة على أهل السنّة في العراق، والثورة في سوريا»! البيان أكد عودة الخلافة، لكن ليس الآن لأن الإخوة السنة في سوريا والعراق يقتلون. هنا القصة وهنا مربط الفرس، الفكرة في «التكتيك والتوقيت»، وليس في «الفكرة والجوهر». تتوق أنفس هؤلاء أعضاء الاتحاد للخلافة، لكن ليس بهذا التوقيت، هذا هو إحراج «داعش» لحركات الإسلام السياسي. «داعش» الإجرامية أوضحت ومحضت وفككت الحركات الأصولية وأظهرتها على طبيعتها من دون أصباغ وألوان، جعلتهم أمام أسئلة حقيقية، من هنا كانت إجابة «الاتحاد العالمي» متسقةً مع «داعش» وإن لم تنتبه لذلك، أو لم ترد ذلك على الأقل إعلامياً. «داعش» تتمدد فكرياً بسبب هذه المنظمات الداعمة، والمؤسسات الحاضنة، والخطابات المتعاطفة، لتتم فقط قراءة بيان «الاتحاد العالمي» بهدوء ليظهر التقاطع الكبير بين «الإخوان» و«طالبان» و«القاعدة» و«داعش»، فهم أبناء جينات واحدة، يجمعهم مربع واحد وتختلف مواقع زواياهم. المخيف أن هذه التنظيمات تتناسل وتتمدد، وهذا شيء محزن، لكن من المحال إنكار هذه الحال.