قد تكون أزمة الضمير سبباً رئيسياً ومفصلياً لكل أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية والحياتية في مجتمعاتنا العربية بشكل عام. فلولا الضمير المعطل، لما رأيت أن هناك من يفرط في مسؤوليته تجاه أهله أو أطفاله، أو يتساهل في إنجاز أعماله والالتزام بمواعيده، ولما رأيت هناك حاجة لتوقيع الحضور والانصراف، ولما رأيت طوابير المراجعين، ولما كانت هناك حوادث سير بالجملة التي تعكس غياب الوعي بخطورة أن تكون قائد مركبة. فالأمر متشابك معقد على رغم سهولته، فلماذا نعجب بإنجاز الياباني واختراعاته والتزامه الأخلاقي تجاه وظيفته وقدرته على الإبداع والتميز والنجاح والوصول إلى درجة الإبهار؟ وهو الأمر ذاته الذي جعل كوريا تقفز بثبات وقوة نحو مصاف الدول المتقدمة، وهو سر إعجابنا بنجاحات الغرب، فالضمير هناك حالة يومية لا يستغرب منه ولا من نتائجه إنجاز. فالعمل مرتبط بالضمير والالتزام الذي يفرضه وجود الضمير، حيث يحاسب على التفريط، وعلى الأخطاء، ويدفع إلى تقويم الأخلاق والتعامل بإيجابية مع الآخرين. لا يهم ضمير الإنسان تجاه ذاته بقدر ما يهم ضميره تجاه الآخرين المسؤول عنهم، فلو التزم كل رب عمل لموظفيه وكان قدوة لهم وتعامل معهم وفق سياسة إدارية إيجابية لكانت المؤسسة تسير بثقة نحو النجاح، والنتائج ذاتها ستكون لدى أفراد الأسرة الذين يعاملهم أبوهم وفق مسؤولياته كأب أخلاقياً ومادياً وتربوياً، ولكان المجتمع يحفل بأشخاص أسوياء منتجين يعول عليهم في نجاح الدول ومنافستها لغيرها المتقدم. طبعاً تتفاوت الأزمة من دولة إلى أخرى، ونحن نتمتع بضمير يقظ، ولدينا شعب يحس بالمسؤولية، وهي سبب مهم في إنجاح المشاريع. فتعريف المسؤولية لدى رب الأسرة حسب ما يفهم البعض هو توفير الطعام والشراب، وهو تقريباً فهم ناقص بالضرورة، فالأبناء في حاجة إلى وجود أب لديه ضمير يشعر بأنه ملزم أدبياً ووجدانياً تجاه أولاده، وعليه أن يحقق توازنهم النفسي من خلال حضوره الإيجابي في تفاصيل حياتهم اليومية. فالضمير اليقظ يرسخ وعياً اجتماعياً وينعكس في إنتاجية تقدر قيمة الإنجاز والعطاء، فلا يكفي أن نلتزم بالحضور والانصراف في مواقع عملنا، بل المهم: ما هو العمل الذي يتم إنجازه يومياً، وما هو الإبداع الذي حققه الفرد خلال يومه. ولا عجب أن تكون الدقة شعاراً لدى الشعوب المتقدمة كالشعب الألماني، فالضمير اليقظ يلزم الفرد بالاهتمام بكل دقة بالتفاصيل وإعطاء المنتج فرصته لتحقيق الإنجاز المتميز الذي يصعب إيجاد أخطاء فيه. وبإمكان الإنسان أن يصل إلى الكمال في عمله في حالة كان ضميره اليقظ والحي هو المحرك الذي يسيّره ويحدد له طريق نحاجه وتفوقه. وصاحب الضمير إنسان ناجح حتى وإنْ كانت الظروف أو بعض الفاشلين يحاولون وضع الأسوار أمامه، فالضمير صمام نجاح، وهو المدخل الوحيد لبوابة الإنجاز. لعل قدرتنا على إيقاظ الضمير المعطل هي فرصة لتمام الأمور، وسد النقائص، ولا يموت الضمير، فقد يعطل ولكن إيقاظه ممكن، والحياة يقظة أجمل وأكثر ألواناً.