أحدث التطبيق الجديد للرسائل الفورية «يو» ضجة في وادي السيليكون، حيث يلقى ثناءً باعتباره من أكبر البرامج في المستقبل. أما التقدم الخارق والمذهل فهو كونه يسمح للمستخدمين بإرسال كلمة «يو» إلى أصدقائهم بكبسة زر واحدة. وقد لقى هذا التطبيق سخرية مبررة من مقدم البرامج السياسي الساخر «ستيفين كولبير» وآخرين غيره. غير أن بعض أقطاب صناعة التكنولوجيا يأخذون الأمر على محمل الجد. فقد كتب مهندس البرمجيات الأميركي «مارك أندرسون»، على «تويتر»، أن الذين يستهزئون بهذا التطبيق فاتهم شيء هام؛ وهو أن «يو» يعد مثالا للاتصالات القصيرة جداً، فهو رسالة بدون فحوى سوى أنها موجودة. وأشار أندرسون إلى استخدام العالم الثالث للمكالمات «التي لم يتم الرد عليها»، كآلية للاتصال وانتقد الرافضين لهذا التطبيق واصفاً إياهم بالانحياز. ولا أعتقد أن آندرسون أو المجموعة التي قامت باستثمار 1.2 مليون دولار في هذا المشروع، يفهمون في الواقع ما هي احتياجات العالم النامي أو حتى كيف ولماذا يستخدم الفقراء التكنولوجيا. فالمكالمات «التي لا يتم الرد عليها» ما هي إلا وسيلة لإرسال رسالة لشخص ما سبق الاتفاق معه على ما تعنيه هذه الرنة. وعادة ما يلجأ الفقراء في جنوب آسيا وأفريقيا إلى هذه الآلية لإرسال رسائل إلى بعضهم البعض دون استهلاك دقائق الهاتف النقال. وقد يعني إنهاء المكالمة بعد هذه الرنة أنني وصلت إلى وجهتي بسلام أو أنني أريدك أن تأتي لمقابلتي. وهذه الوسيلة للاتصال تنبع من ضرورة وليس من التكبر. وهي كذلك وسيلة الاتصال الوحيدة التي يستطيع بعض الناس تحملها. غير أنني أخشي أن يؤدى الإعجاب والتمويل الذي ناله تطبيق «يو» إلى إرسال رسالة خاطئة بشكل فادح لرجال الأعمال في جميع أنحاء العالم، وتشجيعهم على توجيه استثماراتهم على نحو خاطئ لبناء المزيد من التطبيقات السخيفة ومشروعات أخرى بلا معنى. وعادة ما يمضي أصحاب المشروعات، في ظل الأفكار المتغيرة حول العالم، وقتاً عصيباً في الحصول على تمويل من أصحاب رؤوس الأموال، فيلجأون إلى المواقع الإلكترونية التي تحشد التمويل مثل موقع «كيك ستارتر» و«إنديجوجو»، ويقومون من خلالهما بحث الجمهور مباشرة على الاستثمار. ورغم ذلك، فإن بعض الأفكار الواعدة لا تحصل على التمويل، إما لأنه من الصعب تفسير قيمتها أو لأنها تحمل قدراً كبيراً من المخاطرة. إن العالم لديه العديد من المشكلات التي تحتاج إلى حل. فمليارات الأشخاص حول العالم يعيشون دون مصادر يعتمد عليها للطاقة، ويفتقرون إلى المياه والرعاية الصحية والتعليم. والكثير من الناس يموتون بسبب نقص المياه النظيفة أكثر من موتهم بسبب الحروب. لذلك يتعين تنمية النظام الغذائي لدينا، وهو المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لمليارات الأشخاص، لتلبية احتياجات ملياري شخص، حيث أن الفقر مستوطن على هذا الكوكب. تلك بعض التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية، وليس فقط العالم النامي هو الذي يتحمل هذه العلل: فهناك أجزاء كثيرة من العالم المتقدم تواجه صعاباً كذلك، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتعليم والفقر. أما الخبر السار فهو أن الحلول لهذه التحديات الكبرى في متناول اليد. فهناك العديد من التقنيات مثل الحوسبة والطب والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات وأجهزة الاستشعار.. تحرز تطوراً مطرداً بينما تنخفض أسعارها. وهذه التقنيات تمكن رجال الأعمال من القيام بما كانت الحكومات ومختبرات البحوث الكبيرة فقط قادرة على تنفيذه فيما يتعلق بحل المشاكل. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام أجهزة الاستشعار زهيدة الثمن في رصد خصوبة التربة، وتحسين الري، وبناء أنظمة التشخيص في المزارع والتي من شأنها تقليل كمية المواد الكيماوية الضارة المستخدمة. وهذا من شأنه إحداث ثورة في عالم الزراعة. وهناك أنواع أخرى من أجهزة الاستشعار لرصد صحة الإنسان واختبار الأمراض. وبإمكان رجال الأعمال بناء تطبيقات للمزج بين بيانات الصحة والبيانات الجينومية وذلك لفهم العلاقة بين الجينوم (أحد تخصصات علم الوراثة) والعادات والأمراض لدى الإنسان ووضع العلاج الشامل لها. وبالإمكان أيضاً تصميم روبوتات متخصصة للمساعدة على العناية بكبار السن وبناء روبوتات تعليمية لتعليم ملايين الأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة. ورغم ذلك، فإن وادي السيليكون الذي يمثل العاصمة التقنية للكرة الأرضية، والذي بإمكانه أيضاً أخذ زمام المبادرة لتخليص البشرية من عللها، يركز على إحراز نجاحات كبيرة لحل مشكلات ضئيلة تكاد تكون معدومة. ويهدف نظام رأس المال المغامر، الذي يغذي نمو صناعة التكنولوجيا، إلى أخذ الفرصة والمخاطرة أملا في تحقيق عائدات قد تساوى عشرة أضعاف رأس المال المستثمر خلال سبع سنوات. غير أن هذه المخاطرات نادرة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض هذا النظام. لذا فإن هناك قدرا ضئيلا من التقدم فحسب. فلا تزال التطبيقات الحمقاء هي التي تحصل على التمويل وتثير الانتباه. ويعتقد المستثمرون أن أنجح الاستثمارات هي تلك التي تأتي من بناء التطبيقات أو الألعاب أو المواقع الإلكترونية الخاصة بتشغيل العمليات التجارية. ويتجلى هذا بالتأكيد في عصر وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث يتمكن حتى الأطفال الذين لم يكملوا دراستهم من كتابة التطبيقات. لكننا قمنا ببناء ما يكفي من تطبيقات الرسائل وتطبيقات تبادل الصور، ولدينا الآن فرصاً أكبر. فبإمكان الصغار والكبار المساهمة في حل المشكلات الحقيقية، وإحداث تأثير كبير. ----------------- فيفيك وادوا – زميل في مركز روك لحوكمة الشركات بجامعة ستانفورد ----------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»