يواجه متسلّق جبل إفرست في نيبال مخاطر الوقوع والموت، ويواجه متسلّق جبل حفيت في الإمارات مخاطر الوقوع والموت، لكنني سأكذب على نفسي لو قلت إن درجة المخاطر واحدة، ففارق الارتفاع بين الجبلين يصل إلى أكثر من سبعة كيلومترات، وإذا سُئل إنسان سبق له الوصول إلى قمة إفرست، عن المخاطر التي يتوقعها في طريقه نحو قمة حفيت، فقد يتخيل أنه أمام مقلب من مقالب الكاميرا الخفية، وسيضحك إن أصر السائل على سؤاله واعتبر أن المسؤول يكيل بمكيالين. وليس أمام المرء إلا الضحك على بعض العقول التي لا تجد أي فارق بين الانتخابات الرئاسية في كل من مصر وسوريا والتي أجريت في البلدين في الفترة نفسها تقريباً، ففي نظر هؤلاء، إذا كانت انتخابات سوريا غير شرعية، فالانتخابات المصرية غير شرعية أيضاً، وإذا كانت انتخابات مصر شرعية، فانتخابات سوريا أيضاً شرعية، وإلا فأنت تكيل بمكيالين. فالانتخابات أجريت هنا في ظل انقسام شعبي واضطرابات في الشارع، وهناك أجريت في ظل انقسام واضطرابات، وليس مهماً سبب الانقسام، ولا حدّته، ولا سبب الاضطرابات، ولا درجتها. وهنا عسكري يرشح نفسه، وهناك عسكري يرشح نفسه، وليس مهماً ملابسات ترشح هذا، وترشح ذاك. وهنا نتائج الانتخابات محسومة سلفاً، وهناك النتائج محسومة سلفاً، وليس مهماً العوامل التي جعلت النتائج محسومة على الجانبين. ويجوز في منطق هؤلاء أن تسكت صديقك الذي يبث لك همومه الوظيفية والظلم الذي تعرض له بعد أن فُصل من العمل لأسباب شخصية، بالقول إنك أيضاً تعرضت للظلم، لأنهم لم يخصصوا موقفاً لسيارتك الجميلة، لأسباب شخصية أيضاً، وأنك تشعر بالفزع على مصير المقاعد الجلدية لسيارتك المعرضة لأشعة الشمس، مثلما يشعر هو بالفزع على مصير أولاده الذين أصبحوا بلا معيل بعد فصل والدهم من عمله، فكله ظلم وظيفي، ولا فرق بين ظلم وآخر، ما دام وقع في العمل، ولأسباب شخصية. وإذا جاءت امرأة تطلب الطلاق أمام القاضي لأن زوجها يسيء معاملتها، فهو يشتمها أمام الناس، ويضربها أمام أولادها، ويمنعها من زيارة أهلها، فإن القاضي - بحسب منطق هؤلاء- يستطيع أن يرد دعواها ويرفض تطليقها من زوجها، لأنه في الجلسة الفائتة رد دعوى امرأة طلبت الطلاق من زوجها بحجة أنه يسيء معاملتها، لأنه يبدي ملاحظات غير إيجابية حول مذاق الأكل الذي تطبخه. هناك عناوين واحدة للكثير من الأمور الجيدة أو السيئة، لكن التفاصيل تحت كل عنوان مختلفة تماماً، وإلا فما الفائدة من فكرة التمايز والتفاضل بين الأشياء؟! وما الفائدة من فكرة التسابق بين الأمم والدول في العلم وفي الرياضة وفي بقية مجالات الحياة؟! ولم تقام مباراة نهائي كأس العالم ما دام الفريقان المتنافسان وصلا إلى مقام واحد أو عنوان واحد؟! وكل هذه الأمور من البدهيات التي يخجل المرء من الحديث عنها، لكن يجد المرء نفسه مضطراً لفعل ذلك وهو يرى أشخاصاً بينهم أساتذة جامعات لا يراعونها عند إطلاقهم الأحكام، رغم أنهم يعرفون جيداً الفارق بين الطالب الحاصل على تقدير امتياز، والطالب الحاصل على تقدير جيد، رغم أنهما ناجحان، ويعرفون الفارق بين الطالب الذي رسب في المواد، وزميله الذي رسب في مادة واحدة.