ليس هناك الكثير من الاتفاق بين واشنطن وطهران، لكنهما مجمعتان على أن الأكراد يمكنهم المساعدة في إنقاذ العراق. وفي الأسابيع القليلة الماضية حثّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري ودبلوماسيون إيرانيون بارزون، الأكراد على قتال تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي استولى على مدن بها محطات تصفية نفط في شمال العراق. ويمثل الأكراد، بما لديهم من قوة البشمركة المنضبطة التي حنكتها المعارك، قوة يعتمد عليها. لكنهم حتى الآن لم يفعلوا أي شيء تقريباً. وتنظر الحكومة الإقليمية في شمال العراق إلى «داعش» باعتبارها مرضاً موسمياً يدمر البلاد. لكنه شيء جيد لهذه الحكومة الإقليمية، لأن تمزق العراق يعني قيام كردستان المستقلة. والشخص الذي يلقي عليه الأكراد باللائمة في التفسخ الطائفي ليس «أبو بكر البغدادي»، القائد الذي يحيطه الغموض لـ«داعش» والذي أعلن أنه خليفة «الدولة الإسلامية» في الآونة الأخيرة، لكن كل غضبهم ينصب على نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي. فالأكراد يعتبرون المالكي عدوهم الأول، وذلك لنزعته الطائفية، ويحملونه مسؤولية إحباط محاولة العراق كي يكون جمهورية ديمقراطية تضم جميع الأطياف، كما يعتبرون أنه جعل الأقليات تشعر بالعزلة. ويعتقد الأكراد أن مشروع إقامة الجمهورية الاتحادية العراقية لا يمكن إعادة تأهيله. والأكراد ينظرون إلى العراق حالياً على أنه دولة توشك على السقوط، بعد أن تم تأليفها من رقع مختلفة من الأرض قبل قرن من الزمن ورسمتها على الخريطة امرأة بريطانية بيضاء في عجالة. وصرح رئيس الوزراء الكردستاني أنه لم يعد يعتقد بأن العراق سيبقى موحداً. فقد أعلن مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان لشبكة «سي. إن. إن» قبل اجتماعه مع كيري، أن «الوقت قد حان كي يقرر شعب كردستان مستقبله». والأكراد الذين انتقلوا من الاحتلال إلى التمرد إلى الحكم الذاتي، هم أقرب إلى الاستقلال اليوم عن ذي قبل. وكردستان العراق تكره بغداد لسببين؛ أولاً لأن المالكي عرقل محاولة الأكراد تصدير النفط بشكل مستقل، وفي ذلك نوع من «الحرب الاقتصادية» بحسب تعبير رئيس دائرة العلاقات الخارجية الكردستاني فلاح مصطفى. ومع وجود موارد طاقة كبير وقيّمة تحت أقدامهم، يتنبأ الأكراد بمستقبل اقتصادي آمن لأولادهم الذين قتل صدام حسين آباءهم وأجدادهم وخانهم الغرب. والسبب الثاني الذي يجعل الأكراد يكرهون بغداد هو أنهم يعتبرون المالكي وطائفيته تهديداً لوجودهم. فلم يقاتل الأكراد إلى جانب القوات الأميركية في عام 2003 كي يأتوا بمستبد شيعي بدلاً من المستبد السني. ورغم أن الزعماء الأكراد ديمقراطيون علمانيون، فإن هناك نقاط التقاء في المصالح بينهم وبين «داعش». فكلاهما من السنّة الذين همشتهم السلطة الحالية في بغداد. والمثير للسخرية في كل هذا، والذي يشف عن هشاشة شديدة في سياسات التحالفات في الشرق الأوسط، هو أن «داعش» اعتمدت على شبكة حزب «البعث» القديمة، كي تشق طريقها سريعاً في العراق. وحزب «البعث» هو حزب صدام حسين، وحزب بشار الأسد بالطبع، لكنه يمثل الآن جزءاً من المعارضة. والأكراد لا يقاتلون «داعش» لسبب بسيط، وهو أن قتالها ليس في مصلحتهم. وقد اشتبك الجانبان بالتأكيد في صراعات محلية، لكن عندما فرت القوات العراقية من أمام «داعش» وتركت مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط، استولت البشمركة سريعاً على المدينة وتركت «داعش» وشأنهم ولم تسع إلى قتالهم. بل ظهرت تقارير تتحدث عن عرض «داعش» الهدنة على البشمركة. وكان مسلحون أكراد في شمال العراق قد سيطروا على مدينة كركوك مبررين تحركهم بأنه استجابة لضرورة إنسانية. ويعد وضع كركوك، التي يسكنهما خليط من الأكراد والعرب والتركمان، قضية شائكة في السياسة العراقية. رأيت كردستان العراق للمرة الأولى الصيف الماضي. وبخلاف العدد الكبير من الرافعات وناطحات السحاب، رأيت أن لديهم ثقة عميقة بمستقبلهم، رغم الفوضى التي تحيط بهم. فهم يشعرون بالقوة لما لديهم من نفط وقوات بشمركة. وتجلت مثل هذه الثقة بالنفس الأسبوع الماضي عندما طلب كيري من القيادة الكردية أن تنضم إليه في بغداد، فرد الأكراد مباشرة بالرفض، بل دعوا وزير الخارجية الأميركي إلى عاصمتهم أربيل. وعندما اجتمعت مع فلاح مصطفى، رئيس دائرة العلاقات الخارجية، وهو بمثابة وزير الخارجية، أكد على الموقف الكردي المؤيد للتنمية والديمقراطية. وعندما سألته عن الاستقلال، وهذا يعني إقامة دولة جديدة تتاخم العراق وسوريا وإيران وتركيا، أكد أن الأكراد ملتزمون بعراق اتحادي ديمقراطي تعددي. لكن هذا كان الصيف الماضي، حيث تبخرت بعد ذلك كل الصفات المذكورة آنفاً. ومن الملاحظ أن إسرائيل وتركيا خرجتا الآن بموقف مؤيد لوجود كردستان مستقلة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد قال إن استقلال الأكراد سيعزز المقاومة ضد «داعش» والحركة الجهادية في الشرق الأوسط. ومع سقوط العراق انتعشت كردستان. وكتب صديق لي في الآونة الأخيرة قائلاً: «إننا في حال جيدة جداً». وهم كذلك بالفعل. والأكراد المخضرمون يقولون «ليس لنا أصدقاء غير الجبال»، لكن هذه المقولة قد تتعرض لبعض التعديلات قريباً، لأن وجود كردستان غني بالنفط وديمقراطي ومستقل لن يفتقر إلى الأصدقاء في الشرق الأوسط الذي يتفكك. ولن يعرض الأكراد هذا الوضع المميز الذي يتمتعون به للخطر بخضوعهم لواشنطن وطهران. ------------ عمر عزيز ------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»