باستثناء الأميركيين الأصليين، فإن معظم سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 315 مليون نسمة، تعود أصولهم إلى بلدان أجنبية، حيث توافدت على أميركا الشمالية موجات متتالية من المهاجرين شملت البروتستانتيين الطهرانيين والألمان والإيرلنديين والإيطاليين واليهود والعرب في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر. ثم قدم الصينيون إلى الولايات المتحدة كعمال بعد الحرب الأهلية الأميركية لإنشاء السكك الحديدية، في ما جاء المكسيكيون للعمل في المزارع. وفي العقود اللاحقة أتى مهاجرون من جنوب آسيا وكوريا وفيتنام وكمبوديا.. من بين آخرين. واللافت هنا أن جميع المهاجرين الأميركيين تقريباً يأتون إما هرباً من القمع والاضطهاد في بلدانهم الأصلية، أو بغية تحسين ظروفهم الاقتصادية وتحقيق أحلامهم في النجاح والرقي. والواقع أن المعارك السياسية حول سياسة الهجرة ليست شيئاً جديداً. ففي القرن التاسع عشر، كان البروتستانتيون يشتكون من العدد الكبير للكاثوليكيين القادمين إلى الولايات المتحدة، وخاصة الإيرلنديين والإيطاليين. كما أن تدفق الصينيين تسبب في رد فعل جد غاضب من النقابات العمالية الأميركية، لدرجة أن الكونجرس مرر في عام 1882 «قانون استثناء الصينيين»، وكان من الصعب على الآسيويين لسنوات عديدة دخول البلاد بطريقة قانونية. اليوم، تتعلق مشكلة الهجرة الرئيسية بالرجال والنساء والأطفال الذين جاؤوا من المكسيك والأميركيتين، الوسطى والجنوبية، والذين لا يملكون أوراقاً قانونية. ونظراً لأن ثمة أكثر من 10 ملايين مهاجر غير شرعي يعيشون حالياً في الولايات المتحدة، فإن الموضوع له تداعيات سياسية كبيرة، لكنه يطرح مشكلة أكبر بكثير للجمهوريين أكثر منها للديمقراطيين. وتعتبر الولايات الحدودية هي أكثر الولايات الأميركية تأثراً بالتدفق اليومي للمهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون دخول البلاد، وهي ولايات تميل إلى أن تكون محافظة عموماً، على الأقل تلك الواقعة في الجنوب والمتاخمة للمكسيك، وتشمل تكساس ونيومكسيكو وأريزونا وكاليفورنيا. والمناطق الحدودية مع المكسيك هي المناطق حيث يكون للحوادث اليومية والمواجهات مع المهاجرين أكبر تأثير على السياسة المحلية. وحتى عهد قريب، كان الجمهوريون موحَّدين في الاعتقاد بأنه إلى أن يتم تحسين الحواجز الحدودية وأنظمة المراقبة بشكل دراماتيكي، فإنه من المبكر الحديث عن إجراءات تتيح للمهاجرين غير الشرعيين في نهاية المطاف طريقاً قانونياً إلى نيل الجنسية الأميركية –أو ما يسمى تشريع «العفو»، حيث كانوا يرون أنه سيتعين أولا ترحيلهم، وبعدها فقط سيتم النظر في طلباتهم الخاصة بالقدوم إلى الولايات المتحدة. غير أن هذه المقاربة تعتبر غير مقبولة من قبل الأميركيين المنحدرين من أصول أميركية لاتينية، والذين ما فتئت أعدادهم تتزايد بسرعة وقد أضحوا يصوتون للديمقراطيين على نحو متزايد في الانتخابات الرئاسية الأميركية. والجدير بالذكر هنا أن المرشح الجمهوري الأخير للانتخابات الرئاسية، ميت رومني، تسبب في استعداء ملايين الناخبين المنحدرين من أصول أميركية لاتينية من خلال مقاربته المتشددة للهجرة ودعوته المهاجرين غير الشرعيين إلى «الرحيل الذاتي». غير أنه في أعقاب هزيمة الجمهوريين في انتخابات 2012، جادل قياديون كبار في الحزب بضرورة تبني سياسة هجرة أكثر إنسانية إذا ما كانوا يرغبون في أن تكون لديهم فرصة في الفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2016. ومن بين هؤلاء حاكم ولاية فلوريدا السابق، جيب بوش، المتزوج من أميركية من أصل لاتيني، والذي يتحدث اللغة الإسبانية بطلاقة، والسيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، والسيناتور جون ماكين من ولاية أريزونا، والسيناتور راند بول من كنتاكي. بل إنه حتى زعيم الجمهوريين في مجلس النواب إيريك كانتور من ولاية فرجينيا أصبح من المؤيدين لإصلاح قانون الهجرة، غير أنه في أوائل يونيو الماضي انهزم في الانتخابات التمهيدية أمام يميني من حركة الشاي، وبالتالي فإنه سيكون غائباً عن الكونجرس العام القادم. ويذكر هنا أن أحد أسباب خسارة كانتور هو موقفه من الهجرة. والأكثر دراماتيكية من ذلك هو أنه في التاسع عشر من يونيو الماضي، كتب روبرت مردوخ، الرئيس التنفيذي لشركة «نيوز كورب»، التي تملك شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية وصحيفة «وول ستريت جورنال»، مقالا قوياً يفيض بالمشاعر، في الصحيفة المذكورة، تحت عنوان «إصلاح الهجرة مستعجل لا يقبل الانتظار». وفيه جادل مردوخ بأن قوة وجاذبية أميركا إنما تكمن في سكانها المهاجرين الناجحين، مشيراً إلى تقرير صادر عن «الشراكة من أجل اقتصاد أميركي جديد»، يفيد بأن أكثر من 40 في المئة من قائمة الشركات الـ500 الأولى في أميركا التي تعدها مجلة «فورتشن»، إنما تم تأسيسها من قبل مهاجرين أو أبنائهم. كما هاجم الكونجرس قائلا إن المشرعين «يتصرفون مثل محبي الكراسي الذين لا ينجزون شيئاً». وفي مقابل مردوخ وقطاع الشركات في أميركا والحزب الديمقراطي، يوجد جمهوريو جناح حركة الشاي اليميني المصممون على إحباط أي جهد لتمرير «عفو» في الكونجرس يسمح بتسوية قانونية لأوضاع المقيمين غير الشرعيين. ومما لا شك فيه أن برنامجاً انتخابياً مناوئاً للهجرة قد يساعد الجمهوريين في انتخابات الكونجرس هذا العام، غير أن عدداً متزايداً من أعضاء الحزب يدركون أنه في غياب إصلاح لقانون الهجرة، فإنهم سيخسرون السباق إلى البيت الأبيض في عام 2016 وسيصبحون حزب أقلية منفصلا عن التيار الرئيسي في أميركا.