صادف يوم الاثنين الماضي، الثلاثون من يونيو 2014، مرور خمسة وعشرين عاماً على الانقلاب العسكري الذي خطط له ونفذه التنظيم السري لجماعة «الإخوان المسلمين» السودانية، والمسمى علناً في حينه «الجهة القومية الإسلامية». تمر هذه الذكرى على «الإخوان» وحزبهم يواجه التمزق الداخلي والتشرذم، المعلن منه والخفي، وأوضح صوره أن المدنيين الذين دبروا ذلك الانقلاب، وفي مقدمتهم حسن الترابي وعلي عثمان وبقية ذلك الرهط من أعمدة «الإخوان» الذين حكموا السودان خلال تلك الفترة، مثل عوض الجاز ونافع وقوش.. إلخ، قد أزاحهم من مناصبهم الحكومية عسكر «الإخوان»، محققين المقولة الشهيرة القائلة بأنه عندما يسلم الحزبُ العقائديُ أمرَه وأمرَ البلد للعسكر، فإنه بذلك يحكم على نفسه بالانتحار.. وفي تاريخ العالم العربي الحديث أكثر من حادث يؤكد صحة تلك المقولة بدءاً من «بعث» سوريا والعراق والقوميين العرب في جنوب اليمن، وأخيراً وليس آخرا السودان. لقد خان «الإخوان» الدستور وانقلبوا على الديمقراطية التي منحتهم المرتبة الثالثة في الجمعية التأسيسية، مبررين ذلك بدعاوى أثبتت الأيام كذبها كقولهم إن البلد كان مهدداً بالتمزق والانهيار، مشيرين بذلك إلى حرب الجنوب التي كانت قيادة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بزعامة جرنج على وشك توقيع اتفاق لإنهائها مع وفد من الحكومة كان يستعد للسفر إلى أديس أبابا. والواقع أن التعجيل بتنفيذ خطة «الإخوان» الانقلابية كان هدفه قطع الطريق على المحاولة التي نالت الإجماع القومي في البرلمان لإيقاف حرب الجنوب وتحقيق السلام وفتح الطريق أمام وحدة السودان الاختيارية. أما قولهم بأن البلد كان يسير نحو الانهيار المالي، مدللين على ذلك بارتفاع سعر الدولار إلى خمسة جنيهات سودانية يوم انقلابهم، فيرد عليه ارتفاع سعر صرف الدولار حالياً ناهيك عن عدم وجوده أصلا في سوق العملات وخزائن الدولة، مما جعل الحكومة الإخوانية تستجدي الأصدقاء والأعداء لتأجيل لحظة إعلان إفلاس البلد. هذا الإفلاس المتوقع كان هو النتيجة المنطقية للسياسات المالية التي قاد بها وزراء المالية «الإخوان» البلد، ولذلك الفساد والنهب المنظم لثروات البلاد والعباد الذي مارسه «الإخوان» خمسة وعشرين عاماً شهد خلالها السودان وأهله صوراً قصوى من التنكيل والتعذيب بحق الخصوم من رجال ونساء. لقد جرى كل ذلك بدعوى وفتوى شيخ «الإخوان» السابق (الترابي) حول «التمكين» لتنفيذ وتحقيق «المشروع الحضاري» الذي انتهى بالسودان إلى أن يصبح تحت قبضة جماعة قليلة العدد من الرجال والنساء لبست ثوب الدين الحنيف فجعلت بسياساتها أخبارَ السودان على كل لسان، حتى بعض الذين شاركوهم تلك العملية في بعض مراحلها. وعلى كثرة ما كتب ونشر وقيل عن الوقائع التاريخية حول انقلاب 30 يونيو الذي أدخل السودان في نفق مظلم، فإن الأيام ستكشف (وقد كشفت) الكثير من الأساليب التي اتبعها «الإخوان» في حكم السودان. ترى ماذا يقول «الإخوان المسلمون» في مناسبة «العيد الفضي» لانطلاق حكمهم في السودان؟