تجربتي مع السلفيين مريرة. لقد تناقشنا مع تلامذة الألباني عشر ساعات متواصلة، وسجلنا ذلك فنقلت نسخة منها لشيخهم الألباني كي يسمع خبر هذا اللقاء العقيم. بعدها عرفنا أن الألباني «مغسول» مرات عن الاتجاهات السلفية التعصبية. حالياً نرى الخوارج الجدد «داعش» يضربون بسيف ذي بأس شديد في العراق المتفسخ. كان النقاش يدور حول جملة واحدة: لماذا تقدم الغرب وليس عنده الدين الحنيف؟ ولماذا تأخر المسلمون ونكست أعلامهم واحتلت بلادهم وبارت عملتهم وكسدت تجاراتهم وعندهم الكتاب والسنة؟ فعلاً إنه سؤال جدي وخطير ومفصلي؟ وعلى هذا الغرار تواصلت الاشتباكات في جبهات المواجهة والسجال النظري الذي جرى بيننا؟ لماذا كانت الموسيقى حراماً؟ لماذا يتهدد حكم القتل لدى الغلاة والمتعصبين كل مَن يفكر في رأي مختلف عنهم، تحت مسمى الارتداد؟ حيث تنتهي تخوم الحرية الفكرية وتبدأ جبهات التعصب والحصار؟ وعشرات من أمور بائسة عقيمة مثل هذا تجعل دخول الحداثة أمام الفكر الإسلامي ضرباً من المستحيل. ثم والغريب في هذه النقطة كيف وصل بعض الفقهاء إلى حكم يصطدم مع أساس قرآني راسخ من حرية الاختيار (كفراً وإيماناً. خروجاً ودخولاً، من أي ملة ونحلة وطائفة، ودخولا في أي دين ومعتقد وفكرة)؟ جواب القوم: لا... من يدخل يسمح له، ثم نقفل عليه بالشمع الأحمر، في بوابات لا خروج منها إلا بخروج الروح. إنهم بهذا أدخلوا الروح في مغامرة خطيرة، بحيث إن كل من يريد أن يعتنق أي دين وفكرة ليس أمامه إلا طريق واحد. إنها ليست نكتة؛ فكأن من كان بوذياً مثلاً فأراد اعتناق الإسلام يقتل، قبل دخول الإسلام، بالتطبيق السلفي الحرفي لهذا المفهوم؟ أليس كذلك؟ إنها السلفية الماضوية سواء من أيام «هيباتيا» التي نقضت رأي بطليموس وأرسطو؛ أو حين أحرق «جيوردانو برونو» في ساحة عامة من أجل رأيه الفلكي بكون لا نهاية له. «هيباتيا» من مدرسة الإسكندرية قالت بدوران الأرض حول الشمس، وفي مدار قطع ناقص «أهليليجي» فأحرقها الماضويون المسيحيون مع مكتبة الإسكندرية. كان أرسطو يرى أن «الدائرة» والحركة الدورانية هي أروع شكل وحركة؛ فثبت أن دوران الأرض يخضع لحركة غير دائرية. لنقل دائرية على الشكل غير الكامل عند أرسطو. ورأى بطليموس أن الأرض مركز الكون فتبين أنها نجم عادي في كون عامر بالأنظمة الشمسية. حالياً عدد المجرات وصل إلى مئة مليار، كل مجرة فيها مئة مليار نظام شمسي. وبذلك اكتشف الإنسان اتساع الوجود بخلاف معطيات الكنيسة ورجال الدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا بالتورط في مجال ليسوا منه وأهله. وتقوم الكنيسة حالياً بنفس الخطأ في تبني نظرية الانفجار العظيم والعلم لا يعرف الشواطئ؛ فيكسر المسلّمات ويطيح بالبديهيات ولا يعرف الراحة والاستراحة والتراجع والاستقالة. لكن رجال الدين والمؤسسات الدينية ترتكب دوماً أخطاء بقدر جبل، وتعذب الناس على ذلك. وتلحقهم في هذا بعض الأنظمة الشمولية التي تمشي على نفس الحماقة في بناء الحزب الواحد والزعيم الواحد والعقيدة الواحدية.