شكل سقوط مدينة الموصل وبعدها بقية محافظة نينوى خلال ساعات في يد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف باسم «داعش» -كما قيل- حدثاً استثنائياً ينذر بكارثة، خاصة أن المدينة سقطت بعد أن فرت جميع القيادات العسكرية إلى خارج المدينة تاركة أسلحتها في مقراتها. وتتحدث الأنباء الواردة من العراق أن عدد مقاتلي «داعش» خلال دخولهم إلى الموصل، تراوح بين 300 و1200 مقاتل، فهل يعقل أن يسيطروا على المدينة متغلبين على جيش دربته الولايات المتحدة الأميركية؟ قيل إن أبناء المدن السنية انضموا لـ«داعش» للانتقام من طائفية المالكي، وقيل كذلك إنها ثورة العشائر السنية، وتنظيم «داعش» وطبقاً لأجندات خارجية يتصدر واجهة ثورة العشائر، ليختطف الثورة السنية من أصحابها وليتحدث باسم «السنة»، وتتوالد التساؤلات، هل ستسرع سيطرة «داعش» على مدينة الموصل من التحالف الأميركي الإيراني؟ هل نحن اليوم أمام تشكل معادلة جديدة في الشرق الأوسط؟ هل نحن مقبلون على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط؟ لماذا لم تتطور الأوضاع بهذا الشكل المتسارع إلا بعد مسرحية الانتخابات السورية وإعادة «انتخاب» بشار؟ أسئلة تحتاج الى وقفة وتأمل. ولكن من يدعم «داعش»؟ كيف يستطيع تنظيم عسكري ناشئ أن يعبث بخريطة الشرق الأوسط؟ أين كانت ولادة التنظيم، العراق أم سوريا؟ المحور الإيراني السوري يتهم التنظيم بأنه مدعوم من دول، تغذيه الأموال الخارجية والمقاتلون الأجانب، وفي المقابل تتهم المعارضة السورية والقبائل السنية العراقية تنظيم «داعش» بأنه ربيب السياسة الإيرانية، وأنه تنظيم انطلق في سوريا بدعم من الأسد لإضعاف المعارضة وعلى رأسها «الجيش الحر» ولتخويف الغرب من «التطرف الإسلامي» وإرهاب «داعش» بعد أن فقدت «القاعدة» ألقها الإرهابي. وفي العراق تتهم المعارضة السنية تنظيم «داعش» بأنه صنيعة إيرانية لجعلها «شماعة يعلق عليها السياسيون العراقيون فشلهم في تحقيق الأمن» وأنها كما يقول الشيخ رافع الرفاعي مفتي الديار العراقية «باتت مبرراً للانقضاض على السنة في الأنبار وغيرها من المناطق الأخرى» مؤكداً أن «ما يجري في العراق، خصوصاً في الموصل وتكريت وغيرهما» من المناطق هو ثورة العشائر السنية وليس مقاتلي «داعش». لقد دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني العراقيين إلى حمل السلاح وقتال «الإرهابيين»، في إشارة منه إلى مسلحي تنظيم «داعش»، وأعلن المالكي، تعبئة الشعب لمحاربة إرهاب «داعش»، وبتزاوج الديني والسياسي خرج الآلاف من المتطوعين استجابة للدعوة الدينية السياسية. وفي المقابل أكد الشيخ رافع الرفاعي رفضه لوجود «داعش» ولكل أشكال الإرهاب، ولكن الإشكالية هنا أن «داعش» يتحدث باسم السنة الذين يحتضنونه، ومن يدعمون خطابه الطائفي نكاية في المالكي. فأي مشروع طائفي يصاغ على أرض العراق؟ والحقيقة أن ما يحدث في العراق هو أكبر بكثير من قدرة تنظيم يتشكل من بضعة آلاف من المقاتلين للسيطرة على مدن، ولكن ما زال بالإمكان السيطرة على الأوضاع ومنع انحلال الدولة العراقية إلى مكوناتها الطائفية أو العرقية، ومازال بإمكان الجانب الشيعي العراقي تهدئة الأزمة عن طريق حل سياسي من خلال تشكيل حكومة طوارئ مصغرة تضم قيادات سنية وشيعية تحظى بقبول شعبي بشرط أن يتم استبعاد المالكي وأصحاب الهوى الفارسي لإيجاد حل عراقي لأخطر أزمة يواجهها العراق الحديث، أزمة من شأنها أن تفضي لتغيير خريطة الشرق الأوسط، خاصة إذا ما ارتأت حكومة المالكي تكريس الأزمة من خلال تجنيد الشعب العراقي وفرض حالة الطوارئ واستدعاء دول الجوار للتدخل في الساحة العراقية، واستدعاء الولايات المتحدة بحجة محاربة الإرهاب والتطرف. أي سيناريو سيرسم ملامح العراق؟ في الحقيقة لا نملك رفاهية التفاؤل بمستقبل العراق في ضوء الحقائق على الأرض، فالعراق اليوم بحاجة لتوافق داخلي لإعادة صياغة المعادلة السياسية بعيداً عن الطائفية التي شقت وحدة الشعب العراقي وإلا ستتساقط المدن العراقية كأحجار الشطرنج في الفوضى والعنف، وسيؤرخ التاريخ لتشكل دويلات طائفية شيعية، سنية، وكردية على أنقاض خريطة العراق الحديث.