توقفت منظمة الصحة العالمية عن وصف متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (المعروفة باسم فيروس كورونا) بأنها حالة طوارئ صحية عالمية، وهذا شيء جيد. فمنذ التعرف على المرض منذ ما يقرب من عامين ونصف العام، بلغت نسبة الوفيات الناتجة عن المرض نحو 30 بالمئة، الأمر الذي يطلق إنذاراً بالخطر. ولكن خلال هذه الفترة، لم يكن هناك سوى 594 حالة مؤكدة. وعلاوة على ذلك، فإن الرقابة الممتدة في المملكة العربية السعودية أظهرت أن العديد من الأشخاص المصابين بالفيروس لم تظهر عليهم أعراض المرض، مما يعني أن معدل الوفيات أقل من ذلك بكثير. ومع ذلك، فقد ارتفعت أعداد الحالات في الأسابيع الأخيرة. وأفادت تقارير مؤخراً ظهور أول إصابتين في الولايات المتحدة، كلاهما من العاملين في مجال الرعاية الصحية. ويقال: إن شخصاً ثالثاً أصابته عدوى نتيجة اتصاله بهذين الرجلين. ووفقا لهذا كان يتعين على وسائل الإعلام التنبيه عن وجود موجة من الوباء، مع الإصرار المتكرر على أن جميع الفيروسات، في كل مكان، على مسافة سفر بالطائرة. وفي الواقع، فإن هذا صحيح، فالأشخاص المصابون عادة ما يصعدون على متن طائرة وينتهي بهم المطاف في مستشفى بالجوار: أشخاص مصابون بفيروسات مختلفة مثل الـ «إيبولا» والالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد (سارس) والآن فيروس «كورونا». ولكن هذا لا يعني أنك في خطر، أو أن الإصابة بهذه الأوبئة أو غيرها من الأمراض محتملة. ويؤكد المتشائمون مراراً وتكراراً على أن الفيروسات الخطيرة «ستتحول إلى أمراض معدية»، مما يعني أن الكائنات الحية الدقيقة ستكتسب القدرة على التنقل بسهولة من إنسان إلى آخر. وفي الواقع فإن هذا نادراً ما يحدث. وقد ذكر خبير الفيروسات بجامعة كولومبيا «فينسينت راكانيلو» أن: «فيروس الكورونا كان في الشرق الأوسط منذ فترة، على الأقل منذ التسعينات، ولكنه لم ينتشر بصورة كبيرة. وأعتقد أنك بمجرد أن تكتشف فيروس جديد وتقرر أنه لم ينتشر لسنوات قليلة، فإن هذه هي النهاية، فلن ينتقل إلى أي مكان..لا أعتقد أن هذا الفيروس له القدرة التي لدى فيروس سارس». وأشار الخبير إلى أن اندلاع فيروس «سارس» في عام 2003 قد أدى إلى إصابة نحو 8000 شخص في جميع أنحاء العالم، مات منهم 800. هذه الأرقام تشير إلى أن المرض بعيد عن كونه وباء حقيقيا. أما بالنسبة لفيروس الكورونا فليس هناك إشارة إلى «انتقال المرض الفعال في المستقبل». وبعبارة أخرى، فإن فيروس كورونا ليس ومن المحتمل أن يكون مرضاً قابلاً للتكيف مع الإنسان. وربما يكون المرض قد بدأ في الخفافيش لكنه استقر الآن في الجمال. وبتتبع بعض حالات العدوى البشرية، وجد أن الإصابة تنتج الاتصال بالدواب كثيرة البصق. بيد أن الجمال في جميع أنحاء الشرق الأوسط مصابة بهذا المرض، وقد أظهر اختبار لحوم الجمال في المجازر المصرية أن نسبة الإصابة تقترب من 100 بالمئة. ولكن ليس هنا: أي أنباء عن حالات إصابة بفيروس كورونا في مصر. يقول «راكانيلو»: إن هناك قدرا كبيرا من علم الأوبئة يدور حول هذا الفيروس– وكيفية إصابة الإنسان به– ولكننا لا زلنا لا نفهم. وعلى الرغم من ذلك فإن معظم حالات انتقال حالات المرض من شخص لآخر، مثلما هو الحال مع فيروس سارس، كانت في المستشفيات، حيث يتسبب وضع المرضى للكمامات في نقل رذاذ غير مرئي في الهواء. وهذا النوع من الانتقال المصطنع لا يجعل من فيروس كورونا مرضاً قابلًا للتكيف مع الإنسان. ولكن بينما يساورنا القلق بشأن فيروس كورونا، فإن فيروسا أخر أكثر مكرا يواصل انتشاره. فقد تطور فيروس السنجابية أو شلل الأطفال منذ فترة طويلة ليصبح مرضا بشريا بحتا، وهو أكثر انتشارا بيننا من فيروس كورونا. وقد كان هذا المرض محبوسا، بصورة أو أخرى، في نيجريا وباكستان وأفغانستان (على الرغم من القضاء عليه الآن وبعد صراع طويل في الهند)، غير أن شلل الأطفال ظل ينتقل في صمت في السنوات الأخيرة إلى مناطق كثيرة بأفريقيا إلى جانب أجزاء من آسيا والشرق الأوسط. وقد دفع تسارع حالات الإصابة بالمرض مؤخراً منظمة الصحة العالمية لوصف انتشار شلل الأطفال بأنه حالة طوارئ عالمية. ومن جانبه، يقول «أولين كيو»، خبير بارز في مجال الفيروسات ومتخصص في فيروس شلل الأطفال بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: إن تحذير منظمة الصحة العالمية، بينما هو ينذر بالخطر، فهو أيضا يدل على مدى ما وصلت إليه الحملة. وأشار إلى أنه منذ سنوات كان أي ارتفاع في عدد الحالات ينظر إليه باعتباره غير مقبول، حيث إن العالم كان يمضي قدما نحو القضاء على المرض. غير أن الاضرابات المدنية في باكستان وسوريا وأفريقيا الوسطى إلى جانب الهجمات القاتلة على القائمين بالتطعيم في بعض المناطق أعاقت هذه الجهود. لكن «كيو» يصر على أن المعركة ضد مرض شلل الأطفال تحرز انتصارا ببطء. ومع ذلك، فإن الأميركيين الذين يعارضون التطعيم– اعتقادا منهم، على ما يبدو، أن خطر التعرض للمرض أفضل من تعريض أطفالهم للفيروس القاتل ووخز الإبر- يكتسبون القوة، فإن هذا المرض المتخصص في تعاسة الإنسان قد يعود زحفا إلى الولايات المتحدة. وهذا الخطر أسوأ بكثير من حالات قليلة من الإصابة بفيروس كورونا. ويجب أن نحدد أولوياتنا، فالتهديد ليس في مرض كورونا، الذي يصيب الجمال والخفافيش وأحيانا يصيب الإنسان. ولكن الخطر الحقيقي في إمكانية عودة مرض قاتل بقوة إلى العالم. ـ ـ ـ ـ ويندي أورينت- مؤلفة كتاب «الطاعون: ماض غامض ومستقبل مرعب لأكثر أمراض العالم خطورة». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي. تي. انترناشونال»