منذ أيام اندلعت حرب كلامية بين المسؤولين الإسرائيليين على خلفية التحذيرات الدولية المتكررة من خطر توقف المفاوضات مع الفلسطينيين وانعكاسات ذلك على إسرائيل سمعة ووجوداً واستقراراً وعلى السلام كله في المنطقة. وأمام إصرار أركان عصابة نتنياهو على رفض تحميلهم المسؤولية والادعاء المستمر بأن «أبومازن»، هو الذي تسبب في ضرب عملية السلام، رغم البيانات الرسمية الأميركية والأوروبية وتصريحات مسؤولين في المنظمات والهيئات الدولية التي أجمعت على اعتبار استمرار الاستيطان بكثافة ووتيرة غير مسبوقين السبب الرئيسي فيما آلت إليه الأمور بين الطرفين المفاوضين. وكما هو معلوم كانت قرارات أوروبية وغربية بمقاطعة مؤسسات وشركات ومصارف إسرائيلية بسبب تعاملها مع المستوطنات وتصريف إنتاجها أو دعم مشاريع فيها. في هذا الجو خرج الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ليؤكد: «إن محمود عباس لايزال شريكاً للسلام». ويكشف في حديث مع القناة الثانية الإسرائيلية: «توصلت إلى اتفاق كامل مع أبومازن – وكان الرجلان قد التقيا في لندن وبعض العواصم الأوروبية وعمّان أكثر من مرة - وكان ينبغي أن نجمل ما توصلنا إليه. لكن نتنياهو كان لديه انطباع بأن هناك اقتراحاً أفضل قدمه توني بلير. وقال لي: أعطوني ثلاثة أو أربعة أيام وسترى» مضيفاً: «لم تكن المسألة مرتبطة بعدد من الأيام ولا بأن بلير قادر على طرح اقتراح أفضل مما كان لديّ. لقد كان نتنياهو شريكاً في كل خطوة وكل شبر. وخطوات التوصل إلى اتفاق كانت بموافقته. ومع ذلك فهو يتحمل مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق»! موقف «بيريز» أربك نتنياهو وفريقه. وكانت ردود وملاحظات عليه من بعض المسؤولين، الذين نفوا هذا الأمر، لكن نتنياهو نفسه تجنّب الرد عليه فشنّ هجوماً عنيفاً على «أبومازن» وتوقف عند لقائه بخالد مشعل في الدوحة مؤكداً أنه بذلك «لا يريد السلام »! من يكذب؟ ومن يصدق منهم؟ في السياق ذاته، اندلعت مواجهة إعلامية بين الموفد الأميركي الخاص لمفاوضات السلام السيد «مارتن إنديك» والمسؤولين الإسرائيليين بسبب تحميله تل أبيب جانباً أساسياً من المسؤولية عن انهيار محادثات السلام مع الفلسطينيين، وهو المعروف تاريخياً بانحيازه التام لإسرائيل وإرهابها! «إنديك» قال: «خطط بناء الإسرائيليين 8000 وحدة سكنية على أراض يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها، هي إجراءات غير بناّءة»، وأضاف: «إذا استمر بناء المساكن في المستوطنات، فإن مفهوم إسرائيل دولة يهودية قد يتضرّر كثيراً. ستكون مأساة ذات أبعاد تاريخية. هذه العملية ستؤدي إلى وضع إسرائيل بشكل لا رجعة عنه في واقع الدولة الثنائية القومية. وهذه الدولة التي تتعارض مع حل الدولتين تبقي الوضع على ما هو عليه بحيث يعيش اليهود والعرب في دولة واحدة. وفي هذه الحالة سيصبح تعداد العرب في سنوات بحسب العديد من علماء الديموغرافيا أكبر من تعداد اليهود»، وأكد إنديك «في حال استؤنفت المفاوضات، فإن ترسيم حدود الدولة الفلسطينية المقبلة وأمن إسرائيل سيكونان أساسيين، ومتى يتم ترسيم الحدود فكل طرف حر في البناء داخل دولته». الإسرائيليون كذّبوا «إنديك»، وقالوا فيه وعنه: «عليه أن يتحمل مسؤولية الفشل الذي وصلت إليه عملية السلام. من الصعب الإشارة إلى أي مساهمة كبيرة قدمها إنديك للعملية». لقد كان منافقاً بين الجانبين، مما أوصل الأمور إلى ما هي عليه. لم يكن صريحاً حيث أنه كان يعلم كل تفاصيل عمليات البناء الاستيطاني بالقدس الشرقية خلال المحادثات، ولم يعلق بشيء عليها. لقد أبلغ بخطط البناء، وأبلغ حتى بعدد الوحدات السكنية، وأعلن أن إسرائيل وافقت على الدخول في المفاوضات على هذا الأساس وعليه ليس واضحاً لماذا ينتقد هذا الآن! طلب إنديك حضور كل الاجتماعات على رغم أن الهدف كان ان تكون العملية ثنائية أساساً. وفي بعض الجلسات كان غيابه في الحقيقة ميزة». وسبقت هذه المبارزة الإعلامية وكشف الأسرار والخفايا وتبادل الاتهامات بالوقائع، تبادل اتهامات بين جون كيري وعدد من المسؤولين الإسرائيليين انتهت باعتذارات متبادلة من خلال توضيحات لم تنف مضمون وجوهر ما قاله كل طرف إن لناحية الحقائق والوقائع أو النيات والأهداف المبيتة. ماذا ينتظر العرب والفلسطينيون وامتداداً العالم، نعم العالم كله أكثر من ذلك ليدرك أن ثمة لعبة مصالح شخصية وسياسية بين الأفراد وعلى مستوى الدول وبالتحديد بين الإسرائيليين والأميركيين، هي التي تعيق عملية السلام في المنطقة، وفي النتيجة تطلق يد إسرائيل في واقع الأمر لتفعل ما تشاء؟ الإسرائيلي محرج بكشف ممارساته من قبل الأميركي. والأميركي محرج بكشف حقيقة أنه كان يعلم كل شيء بالتفصيل. وهو في صورة كل التفاصيل والأسس المتعلقة بعملية التفاوض. فلماذا هذا الموقف الآن؟ فضلاًُ عن كون «إنديك» من أبرز المقربين لإسرائيل كما قلت. ثمة من أشار إلى عملية التفاف عليه كانت تتم من خلف ظهره بالاتفاق بين جهات أميركية وإسرائيلية لاعتماد قناة خلفية غيره لإدارة المفاوضات، فيبقى هو الصورة والواجهة، وكل ما يجري من وراء ظهره هو الأساس. ويبدو أن «إنديك» كشف هذه العملية وعرف تفاصيلها بالأسماء، فقلب الطاولة في وجه الآخرين وقال ما لديه من أسرار. ما يعنينا الأسرار وليس الحسابات الشخصية والتنافس بين هذا أو ذاك لتحصين موقع وتحقيق مكاسب. في وقت يهددون فيه في هذه السياسة موقع فلسطين ويعتقدون أنه بإمكانهم تضييع حقها! إنها مكذبة مفتوحة منذ سنوات لدى الأميركيين والإسرائيليين وبين بعضهم. ومكذبة مفتوحة في وجه العرب والفلسطينيين تمارسها أميركا عبر إداراتها المتعاقبة، وتسقط دول وأمم وحقوق بسببها، وتسقط عقول وإرادات وليس ثمة من يريد أن يتعلّم ! على الرغم من ذلك، الحقائق عنيدة. لا تنغلب ولا تنقلب. قد يتم تجاهلها أو تناسيها أو تجاوزها بعناد آخر. لكنها لا تموت ولا تسقط. وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم حقيقة بات يقف عندها كثيرون في العالم والأميركيون أنفسهم يحذرون اسرائيل من خطر عدم إدراكها. سيكون الطريق طويلاً وشاقاً ومكلفاً. وستكون أثمان إضافية بعد على الطريق لكن الدولة آتية بلا منّة من أحد، هذا هو الحق وهذه هي الحقيقة. كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قال أمام شخصيات إسرائيلية من النشطاء في المجموعة الناطقة بالروسية، التقاهم في مقر المقاطعة في رام الله: «قلت لشارون: سيدي رئيس الوزراء تعال معي إلى مدينتي أريحا. وهناك أغمض عينيك وتخيّل أننا في عام 2020 وسر معي من أريحا إلى تل أبيب. ماذا ترى؟ سترى أن غالبية سكان هذه الأرض هم فلسطينيون. ماذا ستفعل بنا سيدي رئيس الوزراء؟». وأضاف: «عاد إلى شارون قائلاً ثائب (وكان يلفظ حرف الصاد ثاء) سؤال يجعلني لا أنام». فأجبته: «هذا هو الجرس الفلسطيني الذي لن يدع الإسرائيليين ينامون». نام الجزار آرييل شارون وصوت الجرس هذا في أذنيه واستخدم في وعيه ولا وعيه كل وسائل وأساليب وأدوات الحقد والقتل والإرهاب في وجه الفلسطينيين. ولكنه لم يسقط الجرس، لم يوقفه عنه الرنين.