لا يأمل أي طالب صيني في الالتحاق بإحدى الجامعات الصينية اللائقة دون اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية، مما يحبط ويلهم في آن واحد القائمين على إصلاح التعليم في الصين. فلطالما حثوا على التخلص من نظام التعليم الذي تسلكه الصين، والذي يهدف في المقام الأول إلى اجتياز الاختبار، خاصة اختبار الالتحاق بالكلية سيئ السمعة، المعروف بـ «جاوكاو». لكن رغم التغيرات العارضة والمتزايدة التي تهدف إلى إثناء المعلمين الصينيين عن تدريس الطلاب لتمكينهم من اجتياز الاختبار، فإن تعلم الإنجليزية -والتعليم بوجه عام في الصين- يظل اليوم بنفس الصرامة التي كان عليها منذ الثمانينيات. وهذا يساعد على تفسير الأسباب وراء إثارة جدل كبير حول اعتزام السلطات التعليمية الوطنية الصينية إسقاط الإنجليزية من اختبار «جاوكاو» في عام 2017. وقد دار الجدل الذي أثير مؤخراً حول ما إذا كان ينبغي للصينيين تعلم الإنجليزية في المقام الأول، والسبيل إلى تحقيق ذلك. كما دار أغلب هذا الجدل المحموم حول الحدود التي تنطوي عليها حزمة الإصلاح. ومع ذلك، فإن اللهجة نفسها كشفت حرص الشعب الصيني على تجاوز التعليم الموجه إلى اجتياز الاختبار، والذي يشجع على الحفظ عن ظهر قلب، إلى تعليم يكافئ التمكن الفعلي من المادة. من جانبه، كتب «يوان جوانج كو» في جريدة «تشانجشا الإخبارية المسائية»، أن «هذا يعني فقط أننا لدينا مشاكل خطيرة مع طرق التدريس التقليدية التي تحتاج إلى تصحيح». وأوضح أن المشكلة بسيطة «فالصينيون يتعلمون الإنجليزية بغرض اجتياز الاختبار والقليل منهم يتمكنون من هذه اللغة». ويعود شغف الصينيين بالتعلم عن ظهر قلب والتعلم بهدف اجتياز الاختبارات فقط إلى العصور الإمبراطورية، ثم أعيد إحياؤه في أواخر السبعينيات لمساعدة الإصلاحيين الصينيين على اختيار -بصورة عادلة- العدد الكبير من المتقدمين للالتحاق بعدد محدود من المواقع في الجامعات الصينية. ومن ثم بدأ العمل بنظام اختبار الالتحاق بالجامعة «جاوكاو»، وفي عام 1984، تم افتتاح قسم اللغة الإنجليزية. وكان السبب بسيطاً: أن الصين كانت في سبيلها للإصلاح والظهور، كما أن الإنجليزية كانت ولا تزال اللغة العالمية السائدة في الثقافة والأعمال. وفي الواقع، إذا كان اختبار «جاوكاو» يتضمن اللغة الإنجليزية، فقد ظلت هذه اللغة مادة ضرورية للدراسة بالنسبة للصينيين الحريصين على قدرتهم، وقدرة بلادهم، على الاندماج في الطبقة المتوسطة العالمية. وقد تم تأكيد هذه النقطة مراراً وتكراراً خلال النقاش الذي دار خلال الأيام الماضية. وجاء في موقع مدونة «سينا ويبو» الصغيرة ومقرها الدنمارك، أن «هذا هو أكثر القرارات حماقة، فالإنجليزية هي لغة مستخدمة عالمياً». وبغض النظر عن التنمية الشخصية أو التقدم الوطني، ينبغي تعزيز الشكل الحالي لتعليم الإنجليزية بدلاً من إضعافه». وكان التحدي بالنسبة للمعلمين في الصين هو تحقيق الرغبة المتوازنة والمفهومة للتفوق في اختبار يجري مرة واحدة، لكنه قادر على تحويل مستقبل أسرة بأكملها وإمكانية استخدام اللغة في الحياة العملية. وفي الوقت الراهن، على الأقل، يميل التوازن إلى النظام السابق، الأمر الذي ينتج عنه بلاء ما يسمى بالإنجليزية البكماء، حيث يتم إتقان القواعد النحوية على الورق مع عدم القدرة على استخدامها بصورة صحيحة. ومثل العديد من المشاكل في الصين، فإن هذه المشكلة ترمز إلى قضايا أوسع نطاقاً تتعلق بمؤسسات التعليم الصينية التي يمكنها إنتاج واضعي اختبارات مشهورين دولياً، لكنهم لم يتمكنوا من اختراع «ستيف جوبز» صيني. إن تقليص دور اللغة الإنجليزية في اختبار «جاوكاو» لن يغير هذه الحقائق في المستقبل القريب. من جانبه، أثار «شيونج بينك»، وهو أحد مشاهير المصلحين في مجال التعليم، هذه النقطة في تعليق تم نشره في جريدة «قوانغتشو» المملوكة للدولة في نسختها الصادرة يوم الثلاثاء، والذي يتم تداوله على نطاق واسع. فقد أشار «بينك» إلى أن المشكلة الحقيقية في نظام التعليم في الصين لا تتعلق بمادة أو بأسلوب التدريس، بل بالنظام المركزي للقبول بالكليات والذي يقيِّم الطلاب على أساس نتائجهم في اختبار «جاوكاو». وأضاف: «العديد من الناس يشعرون بأن إصلاح النظام المركزي للقبول بالكليات يعتبر مستحيلاً نظراً لظروفنا الوطنية»، في إشارة إلى عدد سكان الصين الكبير، والعدد القليل نسبياً من الأماكن المتاحة بجامعاتها. «لذلك فهم يركزون على إصلاح مواد بعينها، حتى وإن كان يتعين على الجمهور العمل لإصلاح نظم القبول». وحتى يتم الاضطلاع بهذا النوع من الإصلاح الأكثر صعوبة، ربما تظل الصين موطناً لبعض العلماء الأكثر براعة والمتخصصين في قواعد اللغة الإنجليزية. وللأسف، فإن القليل منهم سوف تكون لديه القدرة على تحدث الإنجليزية، لكنه يفتقر للحافز. جدير بالذكر أن إقبال الصينيين على تعلم الإنجليزية بدأ عام 1972. وبدأت الصين الإصلاح والانفتاح على الخارج عام 1978، وفي الثمانينيات أصبحت الدراسة في الخارج والعمل في الشركات الأجنبية بالصين ظاهرة اجتماعية. فارتفعت حماسة تعلم اللغة الإنجليزية أكثر، وظهرت أولاً بين الطلاب الجامعيين. وفي عام 2001 بلغت حماسة تعلم اللغات الأجنبية مدى عالياً في الصين، ففي هذا العام نجحت بكين في طلبها استضافة أولمبياد عام 2008، ونجحت في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وكل هذا زاد اعتزاز الصينيين بوطنيتهم وزاد من ثقتهم بأنفسهم فشعروا بأنهم دخلوا المجتمع الدولي، ولابد أن يتحدثوا اللغة الإنجليزية شائعة الاستخدام عالمياً، فارتفعت حرارة اللغة الإنجليزية في الصين بسرعة حتى أن قادة الدولة يتكلمون الإنجليزية في المحافل الدولية. آدام مينتر كاتب أميركي مقيم في الصين يغطي أخبار السياسة والثقافة والأعمال ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»