خلال الأسبوع المنصرم، أجريت الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا؛ كما أجريت الانتخابات البرلمانية الأوروبية في كل البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكلاهما حدثان يطرحان تحديات مستقبلية لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة لخريطة أوروبا السياسية وعلاقات أوروبا مع كل من روسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والولايات المتحدة، بدرجات مختلفة. ففي أوكرانيا على سبيل المثال، حقق الملياردير بيترو بوروشينكو، صاحب مصانع الشوكولاته، فوزاً واضحاً على منافسيه، بمن فيهم رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيماشينكو؛ ووعد بانتخابات عامة مبكرة من أجل انتخاب برلمان جديد، كما جعل من المصالحة مع شرق البلاد وإقامة علاقات جيدة مع كل من روسيا والغرب هدفاً أساسياً لإدارته المقبلة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن أنه سيقبل بنتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية وسيعمل مع الحكومة الجديدة في أوكرانيا؛ غير أنه لا ينبغي الاستخفاف بمدى صعوبة ذلك، خاصة بالنظر إلى أن العنف بين القوات الأوكرانية النظامية والانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق مازال متواصلاً حتى الآن. إلا أن ثمة في المقابل بعض المؤشرات التي تشير إلى أن بوتين ربما لا يرغب في صب الزيت على نار «حرب باردة» جديدة مع الغرب كان قد أشعلها هو بنفسه عقب قيامه بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا في شهر مارس الماضي. وبالتالي، فإنه يمكن النظر إلى انتخاب بوروشينكو باعتباره تطوراً إيجابياً على الرغم من التحديات الكثيرة التي يواجهها بخصوص كل من المصالحة الوطنية بين شرق البلاد وغربها، والحاجة لتوفير زعامة قوية وحاسمة من أجل إعادة بعض المصداقية إلى اقتصاد مفلس دمرته سنوات من سوء الإدارة وتفشي الفساد، فضلاً على الاضطرابات السياسية والأمنية المتواصلة. لكن في المقابل، نجد أن تأمل نتائج الانتخابات الأوروبية يستدعي قدراً أكبر من التشاؤم؛ حيث أسفر التصويت على المرشحين لدخول البرلمان الأوروبي عن انتصار المتشككين في جدوى مشروع الوحدة الأوروبية ذاته، سواء على يمين الطيف السياسي الأوروبي أو يساره، أي الذين يشعرون بالاستياء تجاه تجربة الاتحاد الأوروبي وبيروقراطيته المتضخمة وذات الكلفة العالية في بروكسل. والحق أن رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو الذي قال في السادس والعشرين من شهر مايو الجاري، إن الثقة في بروكسل «آخذة في الانخفاض بشكل دراماتيكي»، اعترف بهذا الواقع. ذلك أن الأرقام تتحدث عن نفسها. فأولاً، هناك نسبة المشاركة الضعيفة من جانب الناخبين، وهي حقيقة تقوّي الأحزاب المتطرفة الأكثر حماساً في مناهضتها للاتحاد الأوروبي. ثم هناك، ثانياً، نجاح حزب «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) في فرنسا بزعامة مارين لوبين الذي فاز بعدد من المقاعد يفوق ذلك الذي حصل عليه أي حزب فرنسي آخر، وهو ما يشير إلى أن مشاعر السخط والاستياء يمكن أن تفضي في الأخير إلى تحول في سياسات الاتحاد الأوروبي. وبالمثل، فإن انتصار «حزب الاستقلال» البريطاني اليميني سيكون له تأثير مباشر على الانتخابات البرلمانية البريطانية المقررة العام المقبل، إذ سيتعين على كل من حزبي «المحافظين» و«العمال» تشديد مواقفهما من دور الاتحاد الأوروبي والهجرة. وقد أبلى اليمين المتطرف بلاء حسناً في الدانمارك أيضاً. أما في إسبانيا واليونان، فإن أحزاب أقصى اليسار هي التي حققت أفضل النتائج، ما يوحي بأن برامج التقشف التي اعتمدتها حكومتا هذين البلدين وارتفاع البطالة في صفوف الشباب، دفعا الناخبين للجنوح نحو اليسار بدلاً من اليمين. ومما لا شك فيه، أن التحولات في المشهد السياسي الأوروبي، خاصة صعود أحزاب اليمين المتطرف، ستكون لها تأثيرات سلبية وواضحة على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك على اعتبار أنها ستعني مطالبة أقوى وأكبر بفرض قيود على الهجرة وتشديد المراقبة على الحدود. كما أنها قد تؤدي إلى تغييرات في برنامج شينجن للتأشيرات الذي لا يتطلب حالياً عمليات تدقيق على الحدود بين الدول الأوروبية الـ28 الأعضاء في البرنامج بالنسبة لمن يحملون جوازات سفر تابعة للاتحاد الأوروبي أو جوازات سفر أجنبية عليها تأشيرة شينجن. ذلك أن فرنسا، بشكل خاص، تشعر بالقلق لأن برنامج التأشيرات هذا يسمح للعمال من بلدان أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا وبلغاريا، بالانتقال إلى فرنسا وشغل وظائف يعتقد الفرنسيون أنها ينبغي أن تظل مقتصرة على الفرنسيين. ولا شك أنه ما زال من المبكر جداً معرفة ما إن كانت هذه التحولات في المواقف الأوروبية من الهجرة والحدود نتيجة للأزمات المالية التي بدأت في عام 2008 أم أن الأمر يتعلق بمشاعر ضيق وانزعاج أقوى وأكثر ترسخاً يمكن أن تقوّض إطار المشروع الأوروبي الذي كان حلماً وهدفاً بالنسبة للكثير من أنصار الوحدة الأوروبية منذ أوائل الخمسينيات. والأكيد أنه في حال انحلت أوروبا وتفككت، فإن عواقب وتأثيرات ذلك ستكون عالمية، وستكون له تداعيات سلبية بالنسبة للتجارة والنمو الاقتصادي بشكل خاص. كما أنه قد يكون من نتائج ذلك أيضاً نمو وصعود أكبر للأحزاب القومية الأوروبية، وهو ما قد يعيد إلى الأذهان الذكريات الفظيعة للحربين العالميتين اللتين اندلعتا بالأساس لأسباب قومية. وربما لهذا السبب، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في الخطاب الذي وجهه إلى الفرنسيين، في السابع والعشرين من مايو الجاري، إن المشروع الأوروبي أضحى «بعيداً وغير مفهوم» ويجب أن يتغير.