كعادته، تأَلقَ منتدى الإعلام العربي في نسخته الثالثة عشرة الأسبوع الماضي في دبي، وبتنظيم من نادي دبي للصحافة ودخل إلى المناطق «المُلتبسة» والأسئلة الحذرة، بحضور أكثر من ألفي إعلامي وإعلامية. وقد شمل المنتدى تكريم الفائزين بجائزة الصحافة العربية وشخصية العام الإعلامية الأستاذ إبراهيم العابد، مدير عام المجلس الوطني للإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة. في سؤال المصداقية كثر الجدل حول عمليات «التغرير» بالمتلقي، بكثرة حديث وسائل الإعلام عن المصداقية، في الوقت الذي تخفي هذه الوسائل «الأجندة » الخاصة بها خلف شعار المصداقية. والكل يدرك أن المال – مهما كان مصدره من الدولة أو من الإعلان– هو المتحكم الوحيد في الوسيلة وفي مضامينها. وطالما يوجد «متحكمون»، فإن المصداقية تظل محل سؤال! وما على المتلقى إلا تحكيم عقله فيما يصل إليه! وللأسف، يعيش الإعلام العربي حالة انهزامية وانفعالية متشنجة نتيجة آثار «الربيع العربي» وشيوع إعلام الإثارة الذي يوتر الجماهير مستخدماً الادعاءات – والكذب أحياناً – تحت شعار حرية التعبير! وصار لدينا مذيعون يحرضون المتلقي وبأساليب رخيصة جداً– تستخف بعقله– تخرج عن رصانة الإعلام وحياديته. سؤال «التحريض والفتنة» كان من الأسئلة الشائكة التي طُرحت في اليوم الثاني لمنتدى الإعلام العربي. وفي الوقت الذي رأى بعض المتحدثين ضرورة تعليم النشء وتوجيهه، رأى آخرون في هذا التوجيه تناقضاً مع مبدأ حرية التعبير، داعياً إلى تصحيح المفاهيم، وأن الحالة الحالية (التحريض والفتنة) في الإعلام العربي لم يستطع وزراء الإعلام العرب حلها، وهم غير متفقين عليها، بعكس وزراء الداخلية العرب الذين يتفقون بدقة على قراراتهم وينفذونها؟ ورأى البعض أن الإعلام شريك أساسي في عمليات «التحريض والفتنة»، وأن من يقول الحقيقة يدفع الثمن، مطالباً بضرورة وجود «محاسبة قانونية» لمن يُشيع التحريض أو ينشر الفتنة. نحن ضد تكبيل الإعلام، كما أن مواثيق الشرف لا يتم التقيّد بها، وإذا كان بعض الإعلاميين– الذين يصرخون كل مساء عبر الشاشات لا يدركون معنى الشرف، فكيف لهم أن يعترفوا بميثاق شرف؟ وكثير من الإعلاميين الذين احتلوا الشاشات والصفحات لديهم أجندات محددة ونراهم يصنعون «رموز» التحريض والفتنة ويحتفون بهم، ثم يأتي الإعلاميون كي يناقشوا سؤال التحريض والفتنة! وكان مِمن حضر المنتدى من هذه الفئة التي تتبدل مواقفها مع تبدل الوجوه السياسية. إن الوازع الأخلاقي– للأسف– غير متوفر لكثيرين من العاملين في حقل الإعلام، والذين «تسللوا» إلى هذا المجال، وأصبحوا نجوماً دون وجه حق، كونهم لا يعترفون بمنظومة الأخلاق الإعلامية Codes Of Ethics التي تُطبق دولياً وفي الدول المتحضرة. ومن وسائل منع انتشار "إعلام التحريض والفتنة" إغلاق الفضائيات، وهذا أمر يعتمد على مؤسسات الأقمار الصناعية وعلى عقودها التي توقعها مع الفضائيات، حيث لا بد من وجود نصوص واضحة تمنع «التحريض والفتنة» ضد أية طائفة سياسية كانت أم عقائدية. ولكن– إن كانت الدولة ذاتها تملك مؤسسات الأقمار الصناعية، فكيف يتم منع ذاك البث ؟. وعن سؤال ثورة «الهوامش» كانت هنالك جلسة ساخنة شارك فيها نجوم من الإعلاميين العرب. ويُقصد بـ«الهوامش» أصحاب تلك القضايا والمواضيع التي كانت منسية أو مخبأة وغير ظاهرة في الإعلام العربي، والتي كانت السلطة السياسية والدينية والأخلاقية تحظر الولوج إليها. وهنالك من رأي أن هنالك دول "متون" ودول «هوامش»، تماماً كما هو الحال مع الإعلام التقليدي "المتن" والإعلام الحديث "الهامش"، والذي برز كي يُزوِد إعلام "المتن" بالمواد المنسية أو المخفية. ورأى البعض أن الإعلاميين مسؤولون عن صناعة «الهوامش» وعن صناعة «المتون». كما أن الجمهور "الذي كان هامشاً" أصبح يسكن "المتن" مشاركاً في عملية التواصل الإعلامي من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. وبرأينا أن الإعلام مسؤول عن الترويج للهوامش «الهشة» والنماذج غير الجديرة بالاحترام، وصناعة نجوم من ورق بقصد الإثارة والترويج السياسي والضحك على الذقون. وأشار أحد المتحدثين إلى "عنف التكنولوجيا"، وأن الغرب قد سبقنا قبل عقد ونصف، وتحدث مفكروه عن هذا العنف الذي يدمر الأساسيات التي قامت عليها الدول المغلقة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وأن التكنولوجيا قد هيمنت على المضمون الإعلامي، وأن «الآيفون» و«الأيباد» صارا شريكين أساسيين في هذا الترويج لمضامين خاطئة ومحرفة، ولا يمكن الاعتداد بها لخلق إعلام صادق ورصين. ونحن نرى أن «عنف التكنولوجيا» لم يصب البعض بالأمراض الفيزيائية، ما أضعف لديهم السمع أو البصر فحسب، بل وصل إلى الأمراض الاجتماعية مثل: تفرق الأسرة، تجمد المشاعر، غياب الحميمية عند الناس. كما أصاب نمط التفكير، وأوجد حساسيات مفرطة تجاه الآخر، وأصبح «أهل الهامش» متواجدين في «المركز» وبقوة، مهما كان تأهيلهم العلمي أو درايتهم في الموضوع الذي ينقلونه. وهذا أدى إلى وجود فوضى داخل جسد الإعلام العربي. لذلك ظهرت في السوق الإعلامية بضائع فاسدة من «المركز» ومن «الهامش» أيضاً ولئن كانت بضائع «المركز» سياسية و «تقديسية» للنظام القائم، فإن بضائع «الهامش» لم ترق أيضاً إلى حالة التوازن والعقلانية، وضاع تعريف الإعلامي وسط هذه الفوضى.