أعلنت السعودية مؤخراً «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً، في هذا البلد الكبير المعقد، فإن الخبرة والتاريخ يؤكدان أن أي سعي جاد للقضاء على «الإخوان» في بلد شهد خلال العقود الخمسة الماضية ولادة وترعرع وتجذر نسخ متعددة عن الإسلام السياسي -هي عملية سيصحبها الكثير من الآلام، ومواجهة الذات والصراحة المعذِبة، والعمليات الجراحية العميقة. السعودية التي نجحت إلى حد كبير في تجفيف منابع «القاعدة» ومصادر تمويلها، تسعى اليوم إلى خلق حالة تسمح بضبط الوضع والسيطرة عليه، والاستفادة من التشريع الملكي وقانون الإرهاب لتجريم الانتساب لـ«الإخوان». ولكن البلاد لخصوصية تأسيسها على أيديولوجيا دينية، وتمسكها بكثير من مظاهر الشريعة الإسلامية، ستواجه محنة أكثر تعقيداً وحرباً أكثر ضراوة. لا أحد يدرك جيداً الكوارث الكبرى التي يتسبب بها وجود تيار ديني مكتسح ومهيمن على مناحي الحياة الاجتماعية والتعليم مثلنا نحن السعوديين، خصوصاً فئة من الكُتاب والمثقفين والإعلاميين الذين سعوا منذ 15 عاماً إلى طرح الأسئلة وإيجاد الأجوبة التي تساعدنا على أن نكون مواطنين صالحين، ومؤمنين بالله في الآن نفسه، من دون أن نكون متطرفين ولا «إخواناً مسلمين». قد تبدو هذه المعادلة سهلة في نظر غير السعوديين، ولكنها لكل سعودي هي رحلة من الألم والغربة والوحشة، مملوءة بالعقبات، متخمة بالتحديات، ولكن قدرنا أن نخوضها. ومع تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحكم في البلاد انفتحت لنا فرجة الأمل، ونحن اليوم منذ توليه الحكم في يوليو 2005، نشهد أروع لحظاتنا التاريخية. لقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتوقظ السعوديين، ثم جاءت أحداث «الربيع العربي» لتفتح أذهان القيادة السياسية على خطر «الإخوان المسلمين»، وجاء انخراط مئات السعوديين في الحروب الأهلية في العراق وسوريا وفي اليمن، لتضعنا في مواجهة الحقائق المؤلمة. لقد أصبح السعوديون اليوم يتساءلون بغضب: لماذا شبابنا السعوديون الذين يزجون أنفسهم في ساحات الحروب الأهلية تصحبهم زفة وتبريكات ودعوات، ثم حين يرغبون بالعودة إلى بلدهم تجللهم زفة ثانية واحتفاء وشعور عشائري بالغبطة، وحين يلقون حتفهم كمجرمي حرب أيضاً تصحبهم زفة ثالثة، ويتحولون إلى رموز وأساطير شعبية! في الحقيقة إن إعلان السعودية في فبراير الماضي أن «الإخوان المسلمين» تنظيم إرهابي، قد يبدو للبعض وكأنه إعلان حرب على الذات... ربما هو كذلك من نواحٍ متعددة. ولمن هم بعيدون عن تفاصيل ما يحصل وغير قادرين على فهم تفاصيل الصورة في السعودية يبرز سؤال: لم السعوديون وهم وهابيون مقتنعون تماماً أنهم قادرون على خوض صراع حياة أو موت ضد «الإخوان المسلمين»؟! إن السعوديين اليوم إذا نجحوا وصمدوا في حربهم ضد «الإخوان المسلمين» ضد التطرف والتشدد، فإن ذلك يعني حقاً أنها بداية النهاية لهذا التنظيم. ولكن أيضاً نحن مؤمنون تمام الإيمان أننا مهما سعينا إلى رفع مستوى الوعي والعمل لتكفير أخطاء الماضي، والنهوض بعد الكبوة، فإننا لن نكون أسرع من حركة التاريخ.. ولكن علينا أن نعمل لشيء ما، لنا ولمجتمعاتنا ولأجيالنا القادمة. إن إدراكنا هذه الفروق واستيعابنا هذا التنوع ووجوه التناقض أحياناً، لا ينبغي أن يمنعنا من أن نتعاون جميعاً نحن أبناء الخليج ضد عدو مشترك، علينا أن نقتنص هذه الفرصة ونسعى لحماية مجتمعاتنا. ولهذا نحن اليوم في لحظة تاريخية يمكننا استثمارها لمساعدة أنفسنا وكسب هذا التحول الكبير الهائل ضد «الإخوان المسلمين» والإسلام السياسي في منطقة الخليج. الأمر الباعث على التفاؤل أن السعوديين اليوم جادون كما الإماراتيين لضرب تنظيم «الإخوان».