شارك أكثر من 815 مليون هندي في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في الهند وبلغت نسبة المشاركة فيها 66.4 بالمئة، وكانت مشاركة النساء والشباب واسعة جداً مما مهد الطريق لفوز حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض بـ282 مقعداً من أصل 543 مقعداً في البرلمان الهندي، مما يسمح للحزب بتشكيل الحكومة دون الدخول في ائتلاف وطني. والسؤال هو: لماذا حقق حزب المعارضة «بهاراتيا جاناتا» الفوز على حزب «المؤتمر الهندي» الذي هيمن واحتكر السلطة منذ حكم رئيس الوزراء السابق نهرو وابنته انديرا غاندي من بعده منذ خمسينيات القرن الماضي. الناخبون الهنود أرادوا التغيير للأفضل، خصوصاً في المجال الاقتصادي. فالهنود يطمحون لأن يروا بلدهم تحقق إنجازات اقتصادية كبرى. والحزب الحاكم الجديد وعد الشعب بتشريعات تساعد رجال الأعمال وأصحاب الممتلكات والعقارات على إيجاد فرصة جديدة لتوظيف الشباب الهندي، وذلك بإنهاء التشريعات القديمة التي فرضها حزب «المؤتمر» ذو النزعة الاشتراكية المعتدلة. وقد عد رئيس الوزراء الجديد «ناريندرا مودي» بفتح الهند للاستثمارات الأجنبية على نطاق واسع، وبزيادة نسبة التصنيع في الهند كما فعل في ولاية «غوجارات» التي حكمها حزبه منذ عام 2001. أما حزب «المؤتمر» الذي حصل على 44 بالمئة من مقاعد البرلمان فاعترف بالهزيمة ووعد بإعادة النظر في سياسته وأطروحاته القديمة. والسؤال الذي علينا طرحه كعرب: لماذا نجحت الديمقراطية في الهند، وهي أكبر دولة ديمقراطية في العالم، وفشلت في بلداننا العربية؟ ولماذا تنعم الهند بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي لمعدلات مرتفعة لا يتفوق عليها إلا الصين، رغم أن عدد سكان الهند أكثر من مليار و300 مليون نسمة وفيها قوميات وأديان وطوائف متعددة، لكنها جميعاً تتعايش مع بعضها البعض دون حروب أهلية وتصفيات جسدية بسبب الدين أو المذهب؟ يعود نجاح التجربة الديمقراطية في الهند إلى حقيقتين مهمتين؛ أولاهما الإصرار على علمانية الدولة بإبعاد الدين عن السياسة، مما جعل الجميع يتمتع بحريته الدينية دون تدخل الدولة أو انحيازها لأي طرف، لذلك بقيت الهند بعيدة عن الحروب الدينية التي تسود الدول الإسلامية المجاورة لها مثل باكستان وبنجلاديش. أما الحقيقة أو السبب الثاني لنجاح الهند وفشل غيرها من دول العالم الثالث، فيعود الفضل فيه للقيادة السياسية الواعية والمسالمة والتي ترفض اللجوء للعنف لإنجاح التغيير، فالزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي اعتمد سياسة اللاعنف لتحرير بلده من الاستعمار الإنجليزي، وكل ما طلبه من الشعب الهندي هو مقاطعة البضائع الأجنبية والاعتماد على الذات، وبدأ بنفسه حيث كانت حياته بسيطة ومتواضعة وكل ما يملكه هو «عنزته» حيث يستفيد من حليبها لغذائه ومن صوفها لغزل ملابسه. لا ينكر أحد دور الطبقة الوسطى الهندية التي تمسكت بالأسلوب الديمقراطي وطورته، فسياسة اللاعنف والحرية الواسعة أطلقت طاقات الشعب الهندي بكل طوائفه وطبقاته. نتوقع أن تحقق الهند إنجازات تاريخية في المجال الاقتصادي، خصوصاً وأن رئيس الوزراء الجديد معجب جداً بالنموذج الصيني في التنمية الاقتصادية التي عمادها العمل والإنتاج والاعتماد على الذات وتشجيع المبادرات الفردية والمشاريع الصغيرة. المعضلة التي ستواجه القيادة الهندية الجديدة هي كيف يمكن تحقيق ازدهار اقتصادي سريع في دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب وليس في ظل حزب شيوعي مركزي القيادة؟ نتمنى من العرب الاستفادة من التجربة الديمقراطية الهندية والابتعاد عن حالة الفوضى والقتل والتشريد والضياع بسبب الطموح للتفرد بالسلطة وعدم إعطاء الشعب أي فرصة للمساهمة في بناء بلده.