شهدت مدينة «جنيف» السويسرية منذ بداية الأسبوع الحالي وحتى يومنا هذا، انعقاد أعمال جمعية الصحة العالمية السابعة والستين، بحضور أكثر من 3000 مندوب، يمثلون الجهات الصحية في 194 دولة، هم أعضاء الجمعية، بالإضافة إلى ممثلين من العديد من الوكالات، والمنظمات، والمؤسسات، العاملة في مجال تطوير وتحسين الصحة العامة الدولية. ويأتي اجتماع هذا العام في ظل قائمة من التحديات الصحية والطبية العالمية، لخصتها الدكتورة «مارجريت شان» المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في كلمتها الافتتاحية، بدأتها بتعبيرها عن القلق العميق من تزايد معدلات السمنة بين الأطفال، وبالتحديد بين شعوب الدول النامية، وخصوصاً خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن زيادة الوزن والسمنة، تصيب حالياً 10 في المئة من أطفال العالم، ويقدر أن 42 مليون منهم دون سن الخامسة، مع التوقع بأن بحلول عام 2020 سيصل عدد الأطفال المصابين بالسمنة إلى 60 مليون طفل حول العالم. وفي المرتبة الثانية على قائمة التحديات الصحية العالمية، جاء الفقر، وما يحمله في طياته من تحديات صحية خاصة، ارتبط بها العديد من الأسئلة، مثل ما إذا كانت معدلات النمو الاقتصادي الحاصل في الاقتصاديات الناشئة، ستترافق بمعدلات نمو مماثلة في ميزانيات الرعاية الصحية القومية؟ وهل ستنجح السياسات الحكومية، والتشريعات القانونية، في ضمان عدالة توزيع الخدمات والرعاية الصحية؟ تحقيق هذه العدالة الصحية، أو عدالة توافر الخدمات الصحية ومستواها النوعي، يعتمد بداية على رفع الظلم والغبن الصحي، والذي يمكن أن يعرّف على أنه الفروق والاختلافات في الحالة الصحية، أو في توزيع المصادر والإمكانات الصحية المتاحة، بين المجموعات، والطوائف، والفئات المختلفة، بناء على الظروف الاجتماعية التي يولد، وينمو، ويعيش، ويعمل فيها الأفراد. أفضل مثال لتوضيح هذا الظلم الصحي، هو تركيز الخدمات الصحية مرتفعة المستوى والمراكز الطبية المتقدمة في المدن الكبرى، وحرمان قرى ونجوع الريف حتى من مراكز الرعاية الصحية الأولية. كما تتجلى مظاهر الغبن أو الاختلال الصحي على عدة مستويات، بين الأعراق والأجناس المختلفة داخل نفس المجتمع، وبين أحياء ومناطق المدينة الواحدة، وبين أقاليم ومحافظات الدولة الواحدة، وبين الدول مع بعضها بعضا. وانتقلت مديرة منظمة الصحة العالمية في كلمتها الافتتاحية بعد ذلك، إلى قضية الاحتباس الحراري، والتغير المناخي، منوهة إلى أن اللجنة الحكومية -الدولية للتغيرات المناخية، أطلقت في مارس الماضي أشد تقاريرها غماً وأكثرها كآبة حتى اليوم، ومحذرة من فداحة تبعات التغير المناخي على الصحة. فمن المعروف والثابت أن التغيرات المناخية ستؤثر سلباً على أساسيات ومتطلبات الصحة، مثل الهواء النظيف، ومياه الشرب النظيفة، وإمدادات الغذاء، ومتطلبات المأوى والسكن. كما يتوقع أن تؤدي تلك التغيرات إلى زيادة في معدلات الوفيات، نتيجة لانتشار العديد من الأمراض المعدية، واتساع نطاقها الجغرافي، مثل الملاريا، وسوء التغذية، وأمراض الإسهال، وحمى الضنك، وهي الأمراض التي يتوقع أن يزداد وقعها بتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي. مثل هذا التأثير ستزداد حدته وفداحته في المناطق الفقيرة، ذات البنية الصحية التحتية الضعيفة، كما هو الحال في الدول النامية والفقيرة، حيث ستعجز هذه الدول عن مواجهة التحديات الصحية الناشئة عن التغيرات المناخية. وعلى صعيد الأمراض التي تشكل تحدياً صحياً خاصاً بأبعاد عالمية، حظي مرض السل باهتمام خاص من مندوبي وممثلي الحكومات المختلفة، والذين أجازوا قرار يدعم ويؤيد استراتيجية دولية جديدة للوقاية من، والتحكم في، وعلاج هذا المرض اللعين بعد عام 2015. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى وقف وباء السل الذي يجتاح العالم حالياً، كما تهدف إلى خفض معدلات الوفيات بنسبة 95 في المئة، ومعدلات حالات الإصابة والعدوى الجديدة بنسبة 90 في المئة بحلول عام 2035. ويطالب القرار الذي اعتمدته جمعية الصحة العالمية، حكومات الدول المختلفة، بتوفير المصادر المالية والبشرية، الكفيلة بتحقيق أهداف ومساعي الاستراتيجية الجديدة، وخصوصاً في المجتمعات الأكثر عرضة للعدوى، والتي لا يتوافر لها مستوى جيد من الرعاية الصحية. ويأتي اعتماد هذا القرار، وما تضمنه من استراتيجية، على خلفية احتلال مرض السل لمرتبة متقدمة، ومكانة مهمة، على صعيد قائمة الأمراض المعدية الأكثر خطورة، والأشد فتكاً بأفراد الجنس البشري. حيث تمكن الميكروب المسبب للمرض خلال عام 2012 فقط، في مرض 8.6 مليون شخص، وفي وفاة 1.3 مليون آخرين. كما أصيب نحو نصف مليون شخص، بالشكل الأخطر من المرض، المقاوم لعدة عقاقير، والذي لا تجدي معه معظم الأدوية الحديثة نفعاً. ورغم أن كلمة مديرة المنظمة الدولية، قد اشتملت على عدة قضايا صحية مهمة، وكما أن مندوبي الحكومات والدول، قد صبوا اهتمامهم على تحديات دولية الأبعاد، إلا أن قائمة التحديات الصحية الدولية تشتمل على العديد من القضايا، مثل تسارع ظهور ما يعرف بالأمراض المعدية الجديدة أو الناشئة، والتي تتطلب جميعها تضافر الجهود الدولية، والتنسيق على المستويات الإقليمية، إذا كان للمجتمعات البشرية أن تنعم بمستويات أفضل من الأمن الصحي خلال السنوات والعقود القادمة. د. أكمل عبد الحكيم