قلق غربي من سياسات بوتين القومية.. وذهنية الحرب الباردة تهديد للاستقرار الآسيوي إلى أي مدى تغيرت سياسة روسيا الخارجية؟ وكيف يقرأ الصينيون مصادر التهديد في شرق آسيا؟ وما الجديد في النزاعات البحرية بين كوريا الجنوبية والصين؟ تساؤلات نضع إجاباتها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الدولية. تحت عنوان «تغير في سياسة روسيا الخارجية»، نشرت «ذي موسكو تايمز» الروسية، أول أمس مقالاً لـ«بيتر روتلاند» الأستاذ الزائر بجامعة «يورك» البريطانية، وأستاذ الدراسات الحكومية في جامعة «ويسليان» بولاية "كونيتيكت" الأميركية، استهله بالقول إن عدم رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم الاستفتاءين اللذين أجريا في شرق أوكرانيا يوم 11 مايو الماضي أدى إلى بعض الارتباك لدى العواصم الغربية، حيث رأت معظم وسائل الإعلام الغربية أن موقف بوتين جزء من سياسة خداع تمارسها روسيا، شبيهة بالموقف الذي سبق أن اتخذته وأنكرت خلاله دعمها للانفصاليين في شبه جزيرة القرم. وحسب الكاتب ينتهج بوتين سياسات قومية، ويسرد الكاتب تفسيره لسلوك بوتين خلال الأزمة الأوكرانية الراهنة، مستنداً إلى رؤية «المحافظين الواقعيين» الذين يرون أن هدف بوتين الأساسي يكمن في الحفاظ على قوة روسيا «الصلبة» بضمان تأمين قاعدة «سيفاستوبول» البحرية التي تستضيف أسطول البحر الأسود الروسي، حيث التخلي عن هذه القاعدة، يعني التخلي عن الظهور كقوة بحرية في البحر الأسود والبحر المتوسط، وكان واضحاً للعيان عندما أطيح في فبراير الماضي بالرئيس الأوكراني «فيكتور يانوكوفيتش» أن أي حكومة أوكرانية وطنية جديدة ستتخلى عن معاهدة 2010 التي بمقتضاها مددت روسيا استئجارها لقاعدة سيفاستوبول إلى عام 2042. اللافت أيضاً وفق هذا التفسير أن إحدى جماعات الضغط الروسية تُدعى «سيلوفيسكي» والتي لا يستطيع بوتين تجاهلها رأت أن الرئيس الروسي يريد الحفاظ على أصول روسيا العسكرية. ووفق هذا التفسير يمكن القول إن روسيا تتصرف كقوة تحاول الحفاظ على موازين القوى في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وحسب الكاتب لن يكون بعض الأميركيين سعداء عندما يجدون روسيا تتحرك وتتوسع وتعود إلى حدود عام 1780، غير أن بعض الواقعيين سيستنتجون أن موسكو تتصرف مثل أي قوة راهنة. لكن هناك من يرى أن تصورات بوتين لمكانة بلاده على الصعيد الدولي شهدت تغيراً كبيراً خلال العام الماضي، وظهر هذا جلياً في الشهور الثلاثة الأخيرة. الكاتب يرجح أن بوتين قد قرر الانخراط في سياسات قومية- إثنية، فهو يدافع عن حقوق الأقليات الروسية وحقوق الناطقين بالروسية وهذا سيصبح هدفاً محورياً لدبلوماسية موسكو، علماً بأن قيادات روسية سابقة تعاملت منذ تسعينيات القرن الماضي مع الأقليات الروسية بتصريحات خاوية، ولم يتفاعلوا بجدية مع هذه القضية، لدرجة أن التدخل الروسي في أوسيتيا الجنوبية عام 2008 لم يكن لحماية حقوق سكان أوسيتيا وأبخازيا، بل كان من أجل الدفاع عن مصداقية روسيا كقوة عسكرية. التغير في سياسة روسيا وفي تفكيرها أيضاً بات واضحاً بعدما أدلى بوتين بـ«خطاب النصر» يوم 18 مارس الماضي والذي صرّح خلاله بضم شبه جزيرة القرم، وهذا يأتي بالتزامن مع تطورات داخلية موازية تشكل محاكمة أعضاء حركة «بوسي رويت» والقيام بما يسميه الكاتب «تأميماً» للنخبة الروسية من خلال وضع قيود على حسابات البنوك الأجنبية، وتفكيك ما تبقى من صحافة احترافية في البلاد. ومن ملامح التغير التي يشير إليها الكاتب، ظهور أعضاء ينتمون إلى مجموعات قومية راديكالية روسية مثل «الاتحاد القومي الروسي» بين قادة المجموعات الانفصالية في شرق أوكرانيا. واستنتج الكاتب أن صناع القرار في الغرب لن يكونوا سعداء وهم يتعاملون مع روسيا التي تتبنى سياسات قومية، فهذا يعني صراعات جديدة غير متوقعة في دول الجوار الروسي يصعب كبحها. تحديات آسيوية في مقاله المنشور بـ"تشينا ديلي" الصينية يوم أمس، وتحت عنوان "مواجهة التحديات الأمنية"، أشار "روان زونجزي"، نائب رئيس "معهد الصين للدراسات الدولية" إلى حلقة نقاشية أجراها المعهد في الآونة الأخيرة وساهم فيها عدد من الأكاديميين وسلطوا خلالها الضوء على التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية التي تواجه الصين وآسيا عموماً. وطرح المشاركون طرقاً لتحسين التعاون الأمني بين الدول الآسيوية، يراها الكاتب مهمة كونها تسبق مؤتمراً حول معايير بناء الثقة في آسيا. المقال تطرق إلى ثنائية آسيوية تتمثل في النمو الاقتصادي والمعضلة الأمنية. اقتصادياً، لدى الدول الآسيوية خبرة غير مسبوقة في التكامل القائم على المصالح والاعتماد المتبادل، وهذا ظهر بوضوح بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، ومذاك أدركت هذه الدول أهمية التعاون من أجل مستقبل يسوده الرخاء. وبالنسبة للصين كقوة إقليمية آسيوية، فإنها تعمل وفق مقاربة تحقيق الربح لجميع الأطراف، وهذا يساعد على تحقيق الاستقرار الإقليمي. بكين وواشنطن وافقتا العام الماضي على "نمط جديد من علاقات القوى الكبرى"، يقوم على التعاون والاحترام المتبادل وعدم المواجهة. كما عمّقت الصين شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، وفي 2013، تبادلت الحكومة الصينية زيارات مع نظيرتها الكورية الجنوبية والهندية، وزارت رئيسة كوريا الجنوبية الصين. "زونجزي" يرى أن شرق آسيا يواجه تحديات أمنية تقليدية حيث تتواصل المواجهات في شبة الجزيرة الكورية، وتتصاعد النزاعات الحدودية بين الصين واليابان، وأيضاً بين روسيا واليابان، وكوريا الجنوبية واليابان وبين الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا. وحذر الكاتب من أن التحالف القائم بين الولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية يزيد الأمور سوءاً، والسياسات اليابانية الجديدة تشكل تهديداً للسلم والاستقرار في شرق آسيا. تحليل هذه التهديدات، يكشف إلى أي مدى تسببت ذهنية الحرب الباردة الأميركية في ظهورها، ولاحتوائها، ينبغي على الدول الكبرى التعاون لإرساء التعاون والاستقرار في القارة الآسيوية، وهذا يتطلب التخلي عن ذهنية الحرب الباردة، لأنه من المستحيل التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين بذهنية القرن العشرين. من جانبها تبذل الصين جهوداً لحل المشكلات الآسيوية، وستستضيف شنغهاي مؤتمراً للتعاون وبناء الثقة في آسيا لوضع إطار لمستقبل الشراكة في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، المؤتمر يسعى إلى تحفيز حس أمني جديد، وتحفيز الحوار من أجل تعاون مشترك وشامل وأمن مستدام، ومن أجل بناء هياكل جديدة للأمن والتعاون في آسيا. صيد غير قانوني «بحر من الصداقة»، بهذه العبارة عنونت «كوريا هيرالد» الكورية الجنوبية افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي، مشيرة إلى أن سيئول قدمت شكوى للصين مطلع الشهر الجاري بسبب عمليات الصيد غير القانونية التي تنفذها سفن صينية في المياه الكورية الجنوبية، خاصة بعد حادثة غرق العبارة «سيول» يوم 16 أبريل الماضي، ما أودى بحياة 300 كوري جنوبي، ذلك لأن الحادث أدى إلى تخفيض إجراءات الشرطة الكورية الجنوبية الخاصة بمراقبة عمليات الصيد غير القانونية التي يقوم بها صيادون صينيون في المياه الكورية التي تعد -حسب القانون الدولي- منطقة اقتصادية حصرية للكوريين الجنوبيين. ولطالما انزعجت السلطات الكورية الجنوبية من عمليات صيد غير قانونية تجريها زوارق صينية، لكن الأمر يثير الأسى، كون الصيد يتم لتحقيق مكاسب شخصية، والحكومة الصينية ربما تدرك أن هذا السلوك لا يتناسب مع صورة القوة العظمى الصاعدة الساعية للعب دور على الصعيد العالمي، فكيف لها السماح لمواطنيها بارتكاب هذا الفعل المشين؟ وتنوه الصحيفة إلى القمة الأولى التي عقدت في يونيو 2013 بين الرئيس الصيني ونظيرته الكورية الجنوبية، حيث اتفق الطرفان على جعل البحار الفاصلة بين بلديهما بحار سلام وتعاون وصداقة. لكن بعد شهور من الهدوء عادت الزوارق الصينية لصيد الأسماء إلى مياه البحر الأصفر، حيث المنطقة الاقتصادية الخالصة الحصرية لكوريا الجنوبية. وحسب الصحيفة، ثمة اتفاقية ثنائية لتنظيم الصيد أقرها البلدان وبمقتضاها يتم السماح لـ 1600 زورق من البلدين بصيد 60 ألف طن من الأسماك كل عام، وبما أن المناطق البحرية القريبة من السواحل الصينية ملوثة إلى حد كبير، فإن عدداً كبيراً من الزوارق الصينية يدخل إلى المياه الكورية الجنوبية، ما يثير مخاوف حول إنهاك الموارد البحرية الكورية الجنوبية والإخلال بالبيئة البحرية في المياه الفاصلة بين البلدين. وتطالب الصحيفة الصين بالوفاء بوعودها وجعل المناطق البحرية بين البلدين بحراً للسلام والصداقة، وضمن هذا الإطار يتعين عليهما تعزيز التعاون في مجال مكافحة الصيد غير القانوني والفرصة قائمة لتحقيق ذلك خلال محادثات سنوية حول الصيد يجريها الطرفان في يونيو من كل عام. إعداد: طه حسيب