يبدو أن الهنود قد نال منهم السأم بسبب فساد الحكومة وعدم فاعليتها، لذا ما فتئوا يطالبون بتكريس قيم المحاسبة في الإدارة وتقديم تعليم جيد لأبنائهم، وتحسين الخدمات الصحية وتحقيق الرخاء الاقتصادي، وهم إذ يلحون في مطالبهم تلك، يريدونها الآن دون إبطاء، لكن وبالنظر إلى الصعوبات المرتبطة بتحقيق كل هذه المطالب وعدم قدرة الحكومة على الاستجابة لها بالوسائل التقليدية تبرز الحلول المبتكرة التي تتيحها التكنولوجيا الجديدة باعتبارها الطريقة الأمثل التي تستطيع بها الهند مساعدة سكانها وانتشالهم من الفقر والحاجة. وبما أن البرامج الحكومية في المجال الاجتماعي والرعاية ستستغرق وقتاً طويلا هناك طرق عديدة يمكن من خلالها للتكنولوجيا أن تساعد في تحسين حياة الهنود، وعلى رأسها الهواتف الذكية التي تساوي بين الجميع دون تمييز، أو تفضيل، ولنلاحظ التحول الكبير الذي أحدثته هذه الأجهزة في الهند على مدى عقد من الزمن، فقد انتقلت من كونها هواتف باذخة لا تمتلكها إلا القلة إلى مكون أساسي في الحياة المعاصرة، مزيلة العوائق القديمة مثل خطوط الهواتف الأرضية التي كانت نادرة لما تتطلبه من بنية تحتية غير متوافرة، لتمتلك الهند اليوم إحدى أقل الشبكات التليفونية كلفة في العالم وبعدد هواتف محمولة يفوق المليار جهاز. وبالطبع تفتح الهواتف الذكية إمكانات هائلة مع تطورها المتسارع، وإلى جانبها الكلفة المنخفضة التي باتت عليها الأجهزة اللوحية، وتتوافر أغلب المناطق الهندية اليوم على الجيلين الثالث والرابع من بيانات الهواتف الذكية الموصولة بالإنترنت. هذا التوسع في استخدام الهواتف الذكية، بالإضافة إلى تكنولوجيتها المتطورة يعني أن عدداً متزايداً من الهنود سيستفيدون من الوسائل والمعرفة نفسها المتاحة أمام النخبة في وادي السليكون بالولايات المتحدة، بحيث يستطيعون متابعة «يوتيوب»، وارتياد المواقع المختلفة، وتحميل التطبيقات على أشكالها، وربط أجهزتهم بأدوات تعمل بتقنية الاستشعار، فضلًا عن التواصل مع أناس من جميع أنحاء العالم، وإشراك الآخرين في اجتراح الحلول المبتكرة؛ ولا ننسَ أيضاً أن التكنولوجيا في أحد أوجهها الأكثر فاعلية يمكنها مساعدة الهنود في الحد من الفساد المستشري، وذلك من خلال تكريس الشفافية باعتبارها الملمح الثاني للتكنولوجيا. فقد بات معروفاً الدور السلبي الذي تعلبه آفة الفساد في تآكل النسيج المجتمعي، ورغم مليارات الدولارات التي تنفقها الهند سنوياً على البرامج الاجتماعية تتبخر معظم تلك المبالغ في الهواء، بحيث يظل الطريق الأمثل لمحاربة الفساد إدخال الصفقات العمومية إلى العالم الافتراضي والمجال الإلكتروني لتجري عبر الإنترنت، بما يصاحب ذلك من حذف الوسطاء وتقليص البيروقراطية، ثم ردم الفجوة المتسعة في المعلومات بين الحكومة والرأي العام. وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من مواقع إلكترونية متخصصة تديرها الحكومة لفضح الفساد والتشهير بأصحابه، بالإضافة إلى تطبيقات ذكية أخرى في هذا المجال، هذا ناهيك عن الشروع في إقرار الحكومة الإلكترونية على نطاق واسع لتصبح جميع الصفقات العمومية وطلبات العروض والمعطيات الأخرى شفافة ومتاحة أمام الجميع بوضعها على المواقع الإلكترونية. وتستطيع الهند أيضاً الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين خدماتها الصحية، فالهند تفتقد إلى معرفة بالطرق الناجعة للوقاية من الأمراض والأوبئة، لكن باستخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية الموصولة بالإنترنت يمكن لأي شخص تطوير معلوماته بشأن الأمراض ووسائل الوقاية منها، كما يمكنه زيارة المنتديات الصحية التي تقدم النصائح وتناقش الأعراض، ويمكن للمزارعين في القرى البعيدة البحث عن رأي المختصين في أي مكان في العالم، بل الأكثر من ذلك تساعد التكنولوجيا الجديدة في تزويد الهواتف الذكية بأجهزة لمراقبة المؤشرات الصحية الأساسية مثل درجة حرارة الجسم، وضغط الدم من خلال تقنية الاستشعار، وينتظر أن يتسع استخدام هذه الأجهزة وينخفض سعرها مع مرور الأيام. والمعروف أن الهواتف الذكية تتوافر على عدد مختلف من المستشعرات مثل تحديد المواقع الجغرافية، والكاميرات عالية الدقة، بحيث يمكن ربطها بمستشعرات خارجية لقياس ضغط الدم، ونسبة السكر والأوكسجين وغيرها من المؤشرات الدالة على صحة الجسم وسلامته. أما الفرصة الأخرى التي تتيحها التكنولوجيا فتتمثل في تعزيز التعليم وتحسين مستواه، لا سيما وأن عشرات الملايين من الهنود لا يتلقون تعليماً جيداً، ولأن الأمر سيستغرق سنوات طويلة لإعداد مدرسين أكفاء وبناء المدارس، يظل الأسلوب الأفضل في الاعتماد على المدرس الرقمي، ولا ضير في الاستفادة من تجرية الأوروجواي بأميركا اللاتينية، حيث وزعت عام 2008 حاسوباً محمولاً على كل طفل، وهو ما أتاح لطلبة المدارس الحصول على تعليم جيد حتى في ظل غياب المدرس، ويمكن الاعتماد على تكنولوجيا محلية تنتجها الهند مثل أجهزة «آكاش» اللوحية منخفضة التكلفة لتزويدها بتطبيقات حديثة متخصصة في تلقين مواد تعليمية بأساليب مبتكرة تناسب حاجيات الطفل وقدراته. ولا تنحصر فوائد التكنولوجيا ومنافعها وقدرتها الهائلة على مساعدة الهنود في المجالات آنفة الذكر، بل تمتد أيضاً إلى تنقية المياه ومعالجتها، لا سيما وأن العديد من الأمراض ناتجة عن الميكروبات المنتقلة عبر المياه، وهنا أيضاً يمكن الاستفادة من تجربة رائدة في تشيلي التي توصلت إلى طريقة غير مسبوقة في تنظيف المياه تقوم على تحويل الماء إلى حالة البلازما من خلال حقل كهربائي عالي التردد ليزيل بذلك الميكروبات، وهي تكنولوجيا جديدة تم اختبارها في الولايات المتحدة وأثبتت نجاعتها، حيث قتلت مائة في المئة من البكتيريا والفيروسات ضمن عينات ملوثة بإشراف من السلطات المختصة، بل هناك آفاق واعدة تفتحها التكنولوجيا في المجال الزراعي، حيث يمكن استخدام مستشعرات لمراقبة ورصد مؤشرات التربة مثل درجة الرطوبة، وبالتالي ترشيد استخدام مياه الري، كما تستطيع الهند على سبيل المثال الاستفادة مما يعرف بتقنية زرع النباتات في الماء، هذا ناهيك عن تقنيات أخرى مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد التي يمكن اللجوء إليها لتحفيز النشاط الصناعي وابتكار منتجات جديدة تناسب احتياجات المستهلك، لا سيما إذا انخرط رجال الأعمال الهنود وساهموا في تطوير منتجات خاصة موجهة للهنود وللمستهلكين حول العالم. فيفيك وادوا التكنولوجيا أداة لتطوير الهند فيفيك وادوا مدير الأبحاث بجامعة «ديوك» البريطانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»