يكاد تنظيم «القاعدة» يصدر بياناً يدين فيه جرائم «بوكو حرام» في نيجيريا، لكن «أخوّة» الكفاح الإرهابي تمنعه حتى الآن، رغم أن زعيمه لم يتردد قبل أسابيع في التبرّؤ من فرعه المهم الناشط الملقّب بـ «داعش». لا شك أن قضية خطف الطالبات من مدرستهن في «شيبوك» في شمالي نيجيريا، ومن ثمَّ إعلان المدعو «أبو بكر شيكو» أنه سيتصرف بهنّ بيعاً أو تزويجاً، تؤشر إلى حالٍ انحطاطية أحطّ مما بلغته الحال «القاعدية». والأسوأ أن هذه وتلك تُحسبان على الإسلام والمسلمين، بمعزل عن كل ما يمكن أن يقال عن الإسلام كدين وعن المسلمين كمجتمعات استكانة واعتدال. لم يعد أحد يدري إذا كانت لدى «ابن آدم» النيجيري هذا قضية داخلية مشروعة، فليس في أخباره سوى القتل والذبح والتفجير، ثم أنه لا يشير في ارتكاباته الخطابية إلى مرجعية أخرى غير «الإسلام»، وليس للرأي العام العالمي أن يترك انشغالاته للإنكباب على البحث عن أي «إسلام» يمثّله هذا المخلوق، وباسم أي «إسلام» يتحدّث، وفي أي «إسلام» وجد ما يبرر له خطف فتيات أو طوال أعوام قبل ذلك، قتل آلاف البشر في بلده، لا لشيء إلا لأنه يريد إقامة «دولة إسلامية». صحيح أن ردود الفعل على الجريمة عبرت عن أقصى مشاعر الغضب والألم والنقمة، في مواقف الحكومات كما في حملة «أعيدوا فتياتنا» والتخاطبات على وسائل الإعلام الاجتماعي، لم تنغمس في تشريح الانتماء الديني للمجرمين، إلا أن هذا البُعد موجود في الأذهان. لا بد أن كثيرين تذكّروا مأساة مدرسة «بيسلان» في جمهورية «أوسيتيا الشمالية» في روسيا، حين احتجز مقاتلون شيشان نحو ألف شخص لثلاثة أيام (في سبتمبر 2004) انتهت بمقتل ما لا يقلّ عن 320 رهينة بينهم مئة وستة وثمانين طفلاً بعدما اقتحمت القوات الروسية المكان. قد لا تصحّ المقارنة بكل جوانبها، لكن التشابهات موجودة، خصوصاً أن الخطاب السياسي لروسيا دأب بعدئذ على إلقاء المسؤولية على الإرهاب ذي البعد الديني، متجاهلة أصل المشكلة في الشيشان والجرائم الفظيعة التي ارتكبها جيشها ضد شعبها قبل أن يظهر فيها أي أثر لـ «الإرهاب الإسلامي»، وبعده. أما التشابه الرئيسي، فهو طبعاً في التعرّض لمدرسة ولأبرياء بدافع سياسي وبإيحاء من «العقيدة» التي يعتنقها الفاعل، وليس في ذلك ما يشرّف أي عقيدة، أياً تكن. الملاحظ أن القضية، هي إنسانية أولاً وأخيراً، لم تحظَ باهتمام خاص عربياً وإسلامياً. هل هو الإحراج؟ هل هي الثقافة العامة؟ هل هو الجهل؟ هل هو الانشغال بالحدث الجاري بما فيه من انتهاكات لكرامة الإنسان وبالأخص المرأة في سوريا من دون أن يثير ذلك الرأي العام الغربي؟ وهل هو واقع الاحتلال المهين في فلسطين؟ وهل هو واقع الاحتراب المذهبي في أكثر من بلد؟ وهل هو أخيراً في التحوّلات المفاعلة عربياً؟ لعله كل ذلك في آن. لكن استشراف المستقبل بات يلحّ في مواجهة تحدّيين حاسمين: الأول حقيقة أن «الإرهاب» بات جزءاً ممعناً في الترسّخ في الواقع بكل ما تعنيه المواجهة، والآخر أن هذا الوضع جاء كنتيجة لضعف المرجعيات السياسية والدينية من دون أن يعني ذلك ضرورة وجود زعامة أو قيادة معترف بها لكن مجرد قيام أنظمة قوية وعادلة وغير طاردة لأبناء الشعب من شأنه أن يضعف الاستقطاب الظلامي الذي تمارسه التنظيمات المتطرفة. من غير المقبول إطلاقاً أن تنشأ ظاهرة مثل «بوكو حرام» وتعيث إجراماً في مناطقها، وتتسبب بهذه الإساءة البالغة للإسلام دون أن تتوفّر المرجعية القادرة على التدخل لردعها، وإلا فما الفائدة من كل هذه الحروب التي خيضت وتخاض ضد الإرهاب والإرهابيين؟ الأخطر هو أن ما يتوفّر حالياً، هو دول وجماعات تبدو مستفيدة من ظواهر كهذه، وبات لافتاً أنه حيثما يحلّ الإرهاب لا بد أن يكون هناك مخطط دولي ما: ففي حال نيجيريا ومع استفحال عمليات «بوكو حرام» وعجز الحكومة عن ضبطها بالسياسة والأمن والتنمية، يتصاعد الحديث عن الثروة النفطية، وكذلك عن استحالة بقاء البلد موحّداً نظراً الى انقسامه الاجتماعي الحاد اقتصادياً ودينياً. وفي حالتي العراق وليبيا، ربما نجد أسباباً مشابهة، أما في حال سوريا، فإن موقعها الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط مع إسرائيل على حدودها هو ما ضاعف المستفيدين المفترضين من ترك سرطانها يتفاقم إلى ما لا نهاية.