شهد الأسبوع الماضي مواقف وتصريحات إيرانية بالغة الخطورة، تكرس وتؤكد استمرار طهران في العمل على تحقيق مشروعها التوسعي مستفيدةً من الفراغ الاستراتيجي وغياب الدول العربية المحورية التي تراجعت وغرقت في همومها وأزماتها الداخلية كمصر وسوريا، أو سقطت في نفوذ إيران كسوريا والعراق. وكان ملفتاً ذلك الاستعراض العسكري السعودي تحت اسم «سيف عبدالله»، والذي عرض للمرة الأولى الصواريخ الصينية بعيدة المدى التي حصلت عليها السعودية منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبحضور ملفت لقيادات من السعودية وبعض الدول الإقليمية.. ما يؤكد أن السعودية هي الطرف العربي الوحيد، ومعها دول الخليج العربية الأخرى، التي تقارع إيران بغية تشكيل توازن رعب عسكري مع الجار الفارسي. سجلنا في العديد من المقالات على صفحات «الاتحاد» وخلال الملتقيات السنوية التي تعقدها الصحيفة في أبو ظبي، تعليقات عديدة حول المشروع الإيراني الساعي لتوظيف أوراقه بشكل ذكي في معادلة صفرية لتحقيق أهداف طهران، بما في ذلك ورقة الملف النووي الذي يبقى وسيلة وليس هدفاً لدى الإيرانيين الذين تتحكم فيهم عقلية «البازار» والمساومة. وتسعى إيران لإطلاق يدها كي تتوسع وتتدخل في شؤون المنطقة، من حدود أفغانستان إلى المتوسط، مروراً بالعراق والخليج واليمن ووصولا للضاحية الجنوبية لبيروت وحدود إسرائيل مروراً بدمشق. وقد تبلور «القوس الشيعي» الذي حذّر منه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل عدة أعوام، من طهران إلى لبنان. وساهمت الولايات المتحدة ولا تزال في تقوية وتعضيد القدرات الإيرانية. فواشنطن، بتدبير أو بتخبّط، أسقطت نظامي «طالبان» في أفغانستان وصدام حسين في العراق وخلقت فراغاً استراتيجياً وأخلّت بنظام القوى الهش في منطقة الخليج العربي لمصلحة إيران التي سارعت إلى ملئه، فأصبحت بغداد تدور في الفلك الإيراني وتخضع لتعليمات طهران وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس والمسؤول الأول عن عمليات الحرس الثوري الخارجية. وفي العراق كان نفوذ إيران واضحاً عندما أصرت في عام 2010 على المالكي رئيساً للوزراء، بصفقة مع الأميركيين وبإقصاء إياد علاوي الذي تفوقت قائمته «العراقية» على قائمة «دولة القانون» بقيادة المالكي. ويبدو الحضور الإيراني اليوم طاغياً في المشهد العراقي والسعي لعودة المالكي لفترة ثالثة. كما أن حضور إيران وحلفاءها، خاصة «حزب الله» اللبناني وفيلق أبو الفضل العباس العراقي، يؤكد ما تذهب إليه إيران بحماية أكبر استثمار لها خلال العقود الثلاثة الماضية في سوريا وإبقاء نظام الأسد الذي كان يترنح العام الماضي، فإذا به يستعيد زمام المبادرة باستعادة القلمون والقصير، وأخيراً عاصمة الثورة السورية «حمص». كما يبدو الحضور الإيراني طاغياً في المشهد اللبناني عن طريق «حزب الله» الذي يتولى محاولة إنقاذ نظام الأسد، والموافقة على حكومة تمام سلام في لبنان، وإعاقة وعرقلة انتخاب رئيس جمهورية لبنان، واستخدام الورقة البيضاء في 3 جلسات برلمانية فاشلة لانتخاب رئيس الجمهورية. وهكذا بات المشروع الإيراني صارخاً في وضوحه وجرأته على حساب المصالح العربية، وهو ما تؤكده التصريحات الأخيرة حول تمدد حدود إيران لتلامس حدود الكيان الصهيوني في جنوب لبنان والعمل على تأسيس «حزب الله» السوري، وإرسال 130 ألفاً من عناصر الباسيج للقتال إلى جانب نظام الأسد. وقد نقلت وكالة فارس للأنباء المقربة من مرشد الثورة عن اللواء حسين همداني، أحد قادة الحرس الثوري، تأكيده أن «بشار الأسد يقاتل نيابة عن إيران وإيران تقاتل للدفاع عنه». وأشار الجنرال همداني إلى العمل على تشكيل «حزب الله» سوريا. لكن الأخطر من ذلك هو ما عبّر عنه قائد الحرس الثوري السابق والمستشار العسكري للمرشد الأعلى، الفريق يحيى رحيم صفوي، مستحضراً أمجاد الإمبراطورية الفارسية الساسانية، حيث قال بوضوح وجرأة: إن «حدودنا الغربية لا تقف عند شلمجة- على الحدود العراقية غربي الأهواز- بل تصل إلى جنوب لبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ فيها نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط»، في إشارة إلى حدود الإمبراطوريتين الأخمينية والساسانية الفارسيتين قبل الإسلام. وهو ما دفع الرئيس اللبناني للطلب من وزير خارجية بلاده استيضاح هذا التصريح من الطرف الإيراني. وانتقد «صفوي» دعم دول عربية للمعارضة السورية متناسياً دعم بلاده لنظام الأسد. وشدد على أهمية سوريا الاستراتيجية، واصفاً إياها بالجسر الرابط بين آسيا وأفريقيا، مدعياً أن «سوريا هي البلد الوحيد الذي لم يعترف بالكيان الصهيوني، ولا يزال يشكل جبهة الصمود أمامه»! ماذا نستنتج إذن من تلك المواقف والتصريحات الإيرانية، العلنية والواضحة، حول تمدد حدود إيران إلى لبنان ودعم نظام الأسد وإنشاء «حزب الله» السوري، ودعم المالكي في العراق.. بما يزيد من حدة الخطاب الطائفي لدى الطرفين السني والشيعي ويكرس الانقسام الكبير الذي بات يؤثر على المشهد السياسي والاجتماعي في بلاد الشام والعراق. تؤكد إيران بتلك المواقف إصرارها على الدفع بمشروعها لتصبح الدولة المركزية القوية والمهيمنة في الشرق الأوسط مستقوية بمشروعها النووي والصفقة الكبرى التي لم تنضج بعد مع القوى الغربية، ما قد يعزز حضورها للعلب دور محوري في المنطقة على حساب العرب. وهذا يفسر القلق والخلافات العلنية بين واشنطن وحلفائها، والمناورات ورسائلها.