هل ستؤثر الأزمة الأوكرانية على البرنامج النووي الإيراني؟ سؤال لا يزال يُطرح بين الفينة والأخرى، والحقيقة أن هذا السؤال قد وُجه لي خلال مقابلة تلفزيونية في مارس الماضي وقت تأزم الموقف في أوكرانيا وجزيرة القِرم وصادف حينها اجتماع إيران بمجموعة 5+1 حول البرنامج النووي الإيراني، وكانت إجابتي أن المصالح الاستراتيجية لروسيا تحول دون انعكاس تلك الأزمة على البرنامج النووي الإيراني بالصورة التي تدفع إلى تغير الموقف الروسي رأساً على عقب. ننطلق مع القارئ هنا لتناول جوانب معينه تعطي بدورها رؤية أكثر وضوحاً حول أبعاد تأثير هذه الأزمة على ملف البرنامج النووي الإيراني. وتتمثل تلك الجوانب في التالي: كيف هي طبيعة التباين بين روسيا والغرب حول الأزمة الأوكرانية؟ ما هي الرؤية الاستراتيجية الروسية في نظرتها للملف النووي الإيراني؟ هل ترى روسيا في ملف البرنامج النووي الإيراني ورقة ضغط من الممكن ممارستها تجاه الغرب؟ هل هناك تقاطع بين الاستراتيجية الروسية ونظيرتها الغربية والأميركية في نظرتها للملف النووي الإيراني؟ بعيداً عن الدخول في تفاصيل الأزمة الأوكرانية، تعتبر هذه الأزمة بحق مواجهة جديدة بين روسيا والغرب وخاصة بعد ضم روسيا جزيرة القِرم، وتهديداتها للحدود الجنوبية لأوكرانيا وحكومتها الموالية للغرب، وتصاعد الأزمة التي يرى البعض أنها تنزلق باتجاه أتون حرب أهلية. وهذا الأمر دفع بدوره إلى فرض عقوبات على الجانب الروسي الذي يمتلك بدوره أدوات قوية من قبيل النفط والغاز المصدر للغرب، تضعف بدورها هذه الأخيرة في تبني عقوبات اقتصادية تؤثر بشكل جذري على الاقتصاد الروسي. غير أن هذا الأمر لا يزال يراوح حدود الأزمة الحالية، وسينعكس تصاعدها ربما باتجاه مزيد من التصعيد الغربي على روسيا ولاسيما العقوبات الاقتصادية، في مقابل مزيد من التصعيد الروسي في المناطق التي تؤثر على الجانب الآخر وتمتلك روسيا أوراق ضغط مؤثرة فيها. فهل البرنامج النووي الإيراني ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها روسيا؟ إن المتتبع للموقف الروسي حيال البرنامج النووي الإيراني يلاحظ أن روسيا ظلت على الدوام في توافق مع بقية مجموعة 5+1 للحيلولة دون حصول إيران على السلاح النووي، وهو ما دفعها إلى المشاركة في عقوبات دولية ضد إيران للدفع باتجاه إبداء الشفافية في برنامجها النووي. ويمكن القول إن هذا الأمر لا يمكن أن ينظر إليه بعيداً عن الاستراتيجية الروسية التي لاشك تدفع باتجاه تأمين روسيا من أي تهديدات خارجية. وحين ينظر الغرب وأميركا إلى حصول إيران على سلاح نووي كخطر استراتيجي، فإن الأولى بذلك روسيا القريبة من إيران مقارنة بالغرب. ومن هذا المنطلق تبقى الاستراتيجية الروسية حائلة دون أن تؤثر الأزمة الأوكرانية بأن تدفعها إلى اتخاذ خطوات في ملف البرنامج النووي الإيراني لا تتماشى مع استراتيجيتها ودفع المخاطر بعيداً عن محيطها الأمني حاله في ذلك حال الدرع الصاروخية لـ«الناتو». ولذا يصبح تقاطع المصالح الاستراتيجية بين الغرب وروسيا ظاهراً من خلال الحيلولة دون حصول إيران على السلاح النووي. يتساءل القارئ: هل يعني هذا أن الأزمة الأوكرانية والتجاذب بين روسيا والغرب حيالها لن يكون لها أي تأثير على البرنامج النووي الإيراني؟ بالعودة إلى الموقف الروسي قبل المرحلة الثالثة من مباحثات الخبراء السياسيين حول الاتفاق المؤقت بين إيران و5+1 الذي عقد في مارس الماضي، أعلن المسؤولون في روسيا أن هذه الأزمة لن تؤثر على موقفها تجاه مباحثات البرنامج النووي الإيراني، وفي الوقت ذاته، أشار أحد المسؤولين الروس إلى أن روسيا من الممكن أن تراجع مواقفها مع مجموعة 5+1 حيال البرنامج النووي الإيراني في حال صعد الغرب من موقفه في أوكرانيا. فما الذي حدث؟ عقدت تلك المباحثات وتم الإعلان عن جولة رابعة من المباحثات ستعقد خلال هذا الأسبوع للبدء في صياغة مسودة الاتفاق النهائي للبرنامج النووي الإيراني، وبالتالي ظلت آثار الأزمة الأوكرانية بعيدة عن ملف البرنامج النووي الإيراني. في الحقيقة أن هذا الملف لا يزال ورقة ضغط قوية لدى روسيا من الممكن ممارستها ضد الغرب. غير أن هذه الورقة لا يمكن حصرها فقط في دائرة ضيقة تتمثل في انسحاب روسيا من مجموعة 5+1 والسماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وإنما هناك هامش حركة من الممكن أن يمارسه الجانب الروسي دون التأثير على مصالحه الاستراتيجية ومحيطه الأمني. فمسألة الحديث عن الوصول إلى اتفاق حول تصدير 500 ألف برميل إيراني يومياً لروسيا في مقابل تصدير الأخيرة لها ما تحتاج إليه من مواد غذائية أو غيرها، بالإضافة إلى السعي الإيراني لإنشاء مفاعلات نووية جديدة بالتعاون مع روسيا، هي خطوات تؤدي إلى خرق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لا سيما تصدير النفط الذي يعتبر المؤثر الحقيقي بين العقوبات الاقتصادية الأخرى، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على القطاع المالي. إذن فإن التجاذب الروسي الغربي حيال أوكرانيا معرض لأن يلقي بظلاله على ملف البرنامج النووي الإيراني. ويبقى التأثير فيه أمراً بيد روسيا، يدفعها باتجاه ذلك تنامي التصعيد الغربي حيالها في أوكرانيا. وبذلك تبقى العلاقة بين الملفين إلى حدٍ ما علاقة طردية تحكمها وتُؤطِّرُها المصالح الاستراتيجية العليا لروسيا والحفاظ على محيطها الأمني.