طالب «الشين فين»، أكبر حزب سياسي في حكومة الوحدة الوطنية في أيرلندا الشمالية بإطلاق سراح زعيمه «جيري آدامز»، الموقوف لدى شرطة الإقليم بغرض التحقيق معه. وحذّر الحزب، يوم الخميس الماضي، مما سماه «عصابة» داخل الشرطة في آيرلندا الشمالية تنفذ «أجندة سلبية ومدمرة لعملية السلام كما لحزب الشين فين». وكان آدامز قد أوقف طوعياً مساء الأربعاء الماضي لدى مركز شرطة في مدينة إنتريم، على خلفية جريمة قتل جرت في أوائل السبعينيات، كانت ضحيتها امرأة بروتستانتية قُتلت على أيدي الجيش الجمهوري الأيرلندي الذين اشتبه خطأً في عملها كمتعاونة سرية مع المخابرات البريطانية. لكن نائبة رئيس «الشين فين»، ماري لو مكدونالد، نفت تلك التهمة، وقالت إن اعتقال آدامز له «دوافع سياسية»، خصوصاً أنه يأتي قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات البرلمانية المحلية والأوروبية». كما قال ماك غينيس، نائب الوزير الأول في في أيرلندا الشمالية والقيادي في «الشين فين»، إن الشرطة تعتزم تمديد فترة استجواب آدامز، والتي كان يتوقع انتهاؤها خلال ساعات من توقيفه. لكن من هو جيري آدامز في الحياة العامة لأيرلندا الشمالية؟ وما حقيقة القضية التي تم توقيفه فيها؟ جيري آدامز سياسي كاثوليكي وزعيم حزب «الشين فين» في أيرلندا الشمالية، سبق أن دخل البرلمان البريطاني ممثلا عن حزبه في دائرة غرب بلفاست، بعد سنوات طويلة من الكفاح داخل «الحزب الجمهوري الأيرلندي» وذراعه السياسي «الشين فين»، ضد الحكم البريطاني في أيرلندا الشمالية. وقد ولد جيري آدامز في بلفاست عام 1948 لعائلة جمهورية، (أي من المطالبين بالوحدة مع الجمهورية الأيرلندية)، وتبنى في فترة مبكرة من حياته نظرة ترى أن السيادة البريطانية على أيرلندا الشمالية هي احتلال أجنبي. ويروى عنه أنه انضم إلى الجيش الجمهوري الأيرلندي عام 1966 وكان مراهقاً. ثم شارك في حركة الحقوق المدنية الأولى، وفي الدعوة إلى وضع حد للتمييز ضد الكاثوليك، وأُلقي عليه القبض وسجن دون محاكمة في أغسطس 1971، بموجب «قانون الصلاحيات الخاصة»، ثم أُطلق سراحه في عام 1972 للتفاوض مع السلطات البريطانية، إذ كان أحد القادة الأربعة الكبار في الجيش الجمهوري الأيرلندي. لكنه تعرض للاعتقال مجدداً في عام 1973 وتم إيداعه في سجن «لونغ كش»، حيث حاول الهروب فتم تغليظ عقوبة السجن ضده إلى ثلاث سنوات. وفي عام 1978، أصبح آدامز نائب رئيس حزب «الشين فين»، ثم أصبح رئيسه في عام 1983 خلال أول انتخاب في الجمعية العمومية للحزب منذ عام 1918، فأعطى لنفسه دور الناطق الرسمي باسم الجيش الجمهوري الأيرلندي، وأصبح «الشين فين» تحت قيادته قوة سياسية ذات مصداقية في أيرلندا الشمالية. وكان ينظر دائماً إلى آدامز على أنه زعيم جناح «المعتدلين» داخل حزبه، وهو الذي نفى على الدوام أي دور عسكري له في الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت (بيرا)، وإن اعترف بتوليه قيادة منطقة جنوب بلفاست، قبل الدخول في التسلسل الهرمي للجيش الجمهوري الأيرلندي، بل ذكر مسؤولون أيرلنديون أنه كان عضواً في المجلس العسكري للجيش الجمهوري الأيرلندي الذي نفذ حملة عنيفة خلال ثلاثة عقود في مواجهة الحكم البريطاني لأيرلندا الشمالية. وبوصفه زعيم الجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي (الشين فين)، فقد قام آدامز بدور رئيسي في إنهاء النزاع المسلح في أيرلندا الشمالية، وابتدع منذ أوسط الثمانينيات استراتيجية «الطريق المزدوج»، التي تقوم على أن المطالب السياسية لا تتحقق بالعنف وحده بل بالنضال السياسي أيضاً. وفي هذا الإطار اقترح إنهاء العنف شبه العسكري بين الكاثوليك والبروتستانت لإنشاء أيرلندا شمالية جديدة، ديمقراطية ومتصالحة مع ذاتها. وقد دعم الجيش الجمهوري الأيرلندي مقترحاته التي بدت غامضة في بعض الأحيان وغير منسجمة، الأمر الذي قد يكون مردّه الخلافات الداخلية للجيش الجمهوري الأيرلندي نفسه. وفي عام 1998، بدأ آدامز التفاوض باسم «الشين فين» على اتفاق سلام لإنهاء العنف في أيرلندا الشمالية، وقد تم التوصل إليه في العام ذاته بين بريطانيا وجمهورية أيرلندا وأحزاب أيرلندا الشمالية، فوقعته هذه الأطراف تحت مسمى اتفاق بلفاست أو اتفاق «الجمعة العظيمة»، الذي أنهى حرباً أهلية مذهبية امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت، قتل خلالها نحو 3500 شخص. ودعا ذلك الاتفاق البروتستانت إلى تقاسم السلطة السياسية في أيرلندا الشملية مع الأقلية الكاثوليكية، وأعطى جمهورية أيرلندا رأياً في شؤون أيرلندا الشمالية. وقد جرت عملية تطبيق الاتفاق منذ ذلك الوقت دون شكاوى أو منغصات ذات شأن، وها هو «الشين فين» يتقاسم السلطة حالياً مع حزب «الاتحاد الديمقراطي» البروتستانتي الموالي لبريطانيا في حكومة بلفاست المحلية، كما أن لديه نوابا في البرلمان الأيرلندي في دبلن. لكن كل هذه المكاسب مجتمعة، سواء ما يخص منها «الشين فين» نفسه الذي تحول من حزب إرهابي محظور إلى حزب معترف به، أو ما يشمل الجزء الشمال الشرقي من جزيرة أيرلندا ككل.. ربما تكون قد باتت الآن عرضة لتهديد من نوع ما، جرّاء اعتقال زعيم الحزب الكاثوليكي الأكبر حجماً والأكثر إسهاماً في سلام الإقليم. وتعد حادثة مقتل «ماكونفيل» واحدة من أشهر الجرائم في تاريخ أيرلندا الشمالية، حيث قامت مليشيات جمهورية شبه عسكرية في عام 1972 بخطف هذه البروتستانتية ذات السبعة والثلاثين عاماً، والتي كانت أماً لعشرة أطفال وأرملة رجل كاثوليكي، من شقتها في غرب بلفاست وقتلها رمياً بالرصاص، لاعتقادهم أنها سربت معلومات إلى الجيش البريطاني. وفي عام 1999 أقر الجيش الجمهوري الأيرلندي بقتلها، حيث جرى التحقق مجدداً من رفاتها الذي تم اكتشافه على شاطئ في «كاونتي لوث» بعد أربع سنوات على الجريمة. لكن جيري آدامز نفى أي دور له في جريمة قتل «ماكونفيل»، ووصف الاتهامات الموجهة ضده بـ«الحاقدة»، وأضاف في بيان موقع باسمه، إنه «في حين لم أنكر ارتباطي أبداً بالجيش الجمهوري الأيرلندي، ولن أفعل ذلك أبداً، إلا أني بريء من خطف وقتل ودفن السيدة ماكونفيل». فمن قتل «ماكونفيل» بالأمس؟ ومن يمكن أن يتسبب في قتل سلام أيرلندا الشمالية اليوم؟ محمد ولد المنى