أعوذ بالله من الشيطانِ الرجيم ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ? وكأنه يتراءى لكاتب هذه السطور أن عنوان المقال قد قسم قراءه إلى ثلاث مجموعات: مجموعة غيورة على وطنها رافضة لما جاء سلفاً. مجموعة مُغرضة تتصيّد لأي هفوات أو أخطاء. مجموعة تتوق لمعرفة واقعية هذا الأمر من عدمه. وقبل الخوض في غمار هذا المقال لابد من التذكير بأن كل ما تقدم لا يكاد يعدو كونه ردة فعل لعنوان المقال، وبالتالي لا يزال الحكم على الشكل من دون الوصول إلى المضمون. ننطلق بداية مع المجموعة الثالثة التي تتوق لمعرفة حقيقة هذا الأمر. بدايةً تتجلى أمامنا تساؤلات، ما هو مفهوم الديمقراطية؟ ما هي عناصرها وأهدافها؟ هل لكل دولة خصوصيتها بحيث تأتي الديمقراطية في صور مختلفة؟ الديمقراطية في أبسط صورها سيادة أو سلطة الشعب. هذه السلطة يسلمها الشعب طواعيةً لمن يرتئيه قادراً على قيادة المجتمع وتحقيق تطلعاته. ويرى الدكتور محمد عبدالمعز أن الديمقراطية ليست مجرد شكل من أشكال الحكم، وإنما «طريقة حياة» لمجتمع بلغت به درجة الثقافة والحضارة السياسية قدراً من السمو يؤهله للمشاركة التطوعية الهادفة في شؤون مجتمعه. ومن هذا المنطلق فإنه من الممكن أن نرى ممارسات ديمقراطية في دول ملكية على سبيل المثال، في حين أن هناك دولاً أخرى يقوم نظامها على الديمقراطية والانتخابات غير أن الممارسة الديمقراطية تعد معدومةً فيها، وتنقل هذه الممارسة بالسلطة من سلطة ديمقراطية إلى سلطة ديكتاتورية. وبالانتقال إلى عناصر الديمقراطية فهي كالتالي: الشعب. الذي تُلقى على عاتقه مهمة اختيار السلطة التي تقوده. الوطن. إرادة الشعب. الاعتراف بشرعية السلطة الحاكمة وبالتالي الامتثال لقرارات وقوانين الدولة وحكومتها. سيادة الدولة. طريقة اختيار الحكام والنواب. بمعنى أن يكون هناك إجراء خاص لانتخاب الحكام والنواب. وقبل الانتقال لدراسة الحالة الإماراتية، وجِب الوقوف هنا لاستعراض أهداف الديمقراطية المرتكزة على «الحرية» و«العدالة». وهو أمر لا يأتي في المطلق، فالحرية الفردية هي دائرة تدور رحاها وفق دائرة أكبر وهي حرية المجتمع وأمن وسلامة الوطن، فحرية الفرد مكفولة بالصورة التي يتم فيها إدراك ذلك الخيط الرفيع الذي سُطِرت عليه عبارة «حريتي تقف عند حدود حرية الآخرين». أما الهدف الثاني فيتحقق في العدالة والمساواة، وهو من الأهداف السامية للديمقراطية، الذي يساعد بدوره في تحقيق الانسجام وتعزيز الوطنية في المجتمع. تتلهف المجموعة الأولى من القُراء والغيورة على وطنها، والمجموعة الثانية المغرضة، لمعرفة كيف يمكن إسقاط ما تقدم على دولة الإمارات. بدايةً وكما رأينا تأتي الديمقراطية بوصفها سيادة الشعب وحكمه. ودائماً ما تدفع الفطرة باتجاه أن تكون لهذا الشعب قيادة وسلطة. ويبقى الأمر هنا في تلك الشرعية التي يمنحها الشعب لهذه السلطة. فتاريخ دولة الإمارات يكشف لنا أن مجتمعها هو مجتمع قبلي، تجمعه العديد من القيم والعادات والتقاليد. هذه القيم جاءت معها واحدة من أهم متطلبات المجتمعات والنظم السياسية والمتمثلة في «شرعية السلطة». حيث تتجلى هذه الشرعية، من خلال تفويض أفراد القبيلة السلطة لشيخهم، الذي يقوم بدوره في حفظ مصالح القبيلة في مقابل الولاء والطاعة. وبالانتقال إلى نظم الحكم الحديثة فإن المجتمع الإماراتي لم ينسلخ عن موروثه وقيمه، فأصبح «العقد الاجتماعي» لدولة الإمارات مبنياً على تسليم أفراد المجتمع الإماراتي وفقاً لموروثهم وتقاليدهم ونظام الحكم الذي نشأوا فيه، السلطة لشيوخ الإمارات السبع الذين اختاروا بدورهم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليكون رئيساً لدولة الإمارات. وبذلك تصبح شرعية السلطة الحاكمة في دولة الإمارات نابعة من جذور تلك القيم والعادات والتقاليد المتوارثة. ويأتي الدين الإسلامي ليعزز من شرعية السلطة الحاكمة وضرورة الامتثال لها مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ?. وبالعودة إلى عناصر الديمقراطية نجد أن عنصري الوطن والسيادة، متحققان لدولة الإمارات بوصفها دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة ومعترف بها كبقية الدول المستقلة الأخرى. أما عنصر الشعب والإرادة الشعبية واختيار الحكام أو السلطة الحاكمة فقد تجلت واضحة أنها نابعة من موروث المجتمع الإماراتي ودينه الحنيف. الغيور على وطنه يتنفس الصعداء فقد سره ما سلف ذكر، والمغرض يحبس الأنفاس في انتظار ما سيأتي لاحقاً لعله يدعم عنوان المقال. الحرية والعدالة الهدفان الأسمى للديمقراطية. ولذا يبقيان على رأس أجندة أي سلطة ساعية لتعزيز شرعيتها وتلاحمها مع مجتمعها. فكيف لك أيها المغرض أن تقول إنه لا توجد ديمقراطية ولا عدالة ولا حرية في دولة الإمارات ويأتي شعبها أسعد الشعوب العربية؟! أليس هو الشعب الذي يتواصل مباشرةً مع حكامه. أليس هو الشعب الذي أثبتت تجارب ما يسمى بـ«الربيع العربي» أن فكرة «التمكين السياسي» والتدرج فيه باتت أفضل الممارسات لتحقيق المزيد من الممارسة السياسية التي تحفظ للدولة الاستمرار في التنمية على كافة الأصعدة؟ أليست دولة الإمارات هي من تصدرت قائمة الدول التي يرغب الشباب العربي في الإقامة والعمل فيها. أنت محق أيها المغرض فدولة الإمارات ليست لديها الديمقراطية المستوردة التي لا تعي واقع المجتمع، إن لديها «الديمقراطية الإماراتية». وأنت يا من تخليت عن قيمك وعادات أجدادك، وتاجرت بدينك، وضحيت بولائك لدولتك وقيادتها لولاءات عابرة، فالحرية التي تسعى من خلالها إلى الإخلال بأمن وطنك لن تجدها، فهي تأتي لتتخطى الحرية المكفولة لأي فرد وتتجاوز ذلك الخيط الرفيع الذي سُطِرت عليه عبارة «حريتي تقف عند حدود حرية الآخرين». إنها الحرية التي تتطاول على ضوابط الدولة وقوانينها. فيا غيورٍ على وطنك نم قرير العينِ. ويا مُغرِضاً، اقرأ معي ?قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ?، ?فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ? صدق الله العظيم. ويبقى أبناء زايد مخلصين لوطنهم متفانين من أجله.