في يوم من الأيام استدعى الملك وزراءه الثلاثة، وطلب منهم أمراً غريباً. طلب من كل وزير أن يأخذ كيساً ويذهب إلى بستان القصر، ويملأ الكيس للملك من مختلف طيبات الثمار والزرع، كما طلب منهم ألا يستعينوا بأحد في هذه المهمة، وألا يسندوها إلى أحد آخر فذهب الوزراء. الأول حرص على أن يُرضي الملك فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول. أما الوزير الثاني فكان مقتنعا بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه فقام بجمع الثمار بكسل ولم يتحر الطيب من الفاسد. أما الوزير الثالث، فلم يعتقد أن الملك سيهتم بمحتوى الكيس فملأه بالحشائش والأعشاب، وفي اليوم التالي أمر الملك بسجن الوزراء ثلاثة أشهر ومنع عليهم الأكل إلا مما احتواه كيس كل واحد منهم. هكذا هي الأمانة والإخلاص في كل ما يقوم به الإنسان من أعمال توكل إليه. وعليه أن يتحرى المثابرة والاجتهاد، وألا يكترث بأي تحديات أو صعابٍ قد تواجهه، فلا يمكن حل المشاكل وتحقيق النجاح إذا ظل الإنسان يفكر بنفس العقلية، وكم هو صعب أن نعيش في إطار محدود يحجم قدراتنا ويجعلنا صغاراً، لذا فإنه لابد من استثمار قدرات وإمكانيات كل فرد في المجتمع كي نرتقي بأنفسنا وبمجتمعنا ووطننا. العمل والاجتهاد هما الركيزتان الأساسيتان التي من خلالهما تتحقق الاستراتيجيات المنشودة والمطلوبة. ومما هو متعارف عليه، فإن الإمارات دأبت على توفير أعلى الإمكانيات والمقومات التي من خلالها تستطيع تمكين الكوادر الإماراتية. الرسالة التي أود إيصالها لكل شخص تم تكليفه بمسؤوليات ومهام في القطاع العام هي، أننا بحاجة إلى دعم الكوادر، فهذه أهداف نسعى لتحقيقها، ونحن نعمل وفق خطط الحكومة وتوجيهات مسؤولينا وقادتنا لتحقيق الاستراتيجية المعتمدة للدولة. تستوقفنا في مجال العمل العام بعض الظواهر، التي من غير الطبيعي أن تستمر بل وتتفاقم في مثل هذا العصر، وفي ظل توافر مثل الإمكانيات اللامحدودة من قبل الحكومة لتمويل المؤسسات ومدها بكل ما تحتاج لتحقيق رؤى ومتطلبات وأهداف المجتمع.. ومن غير الطبيعي أيضاً أن تستقطب المؤسسات أصحاب الاختصاص والكفاءات، وتوفر لهم جميع الإمكانيات من تقنيات حديثة ورواتب مجزية، وتلحقهم بالدورات التدريبية لكسب المهارات العلمية والعملية ثم يقتصر دور هذا الموظف وتلك الكفاءات على القيام بأعمال المراسلات والمتابعات! تركيز كل مؤسسة على الهدف الأساسي من تكوينها ووجودها دون مزاحمة ومنافسة المؤسسات الأخرى ودون التدخل في شؤون مؤسسة أخرى تخدم قطاعاً مختلفاً ومنطقةً جغرافية مختلفة وثقافات مختلفة أمر مهم جداً. فمن المهم تركيز كل جهة في عملها، ومن الأفضل أن يبدأ كل طرف من حيث انتهى من سبقه. نحن بحاجة في مجال العمل إلى أن نجتهد ونخلق روح التنافس، لا أن نقتل الإبداع والتحدي، كما أنه لابد من وجود قيمة مضافة لكل عمل يتم. وكل ما نأمله في مجال العمل العام أن تُدرس كافة الإمكانيات المتاحة، وتوظف بالصورة التي تضمن تحقيق التوقعات والأهداف، كما نأمل إتاحة الفرصة للكوادر المتميزة، والتي ترغب في العمل والعطاء وعدم التضييق غير المبرر عليهم. فضربة واحدة في مكانها الصحيح وطريقتها الصحيحة ووقتها الصحيح قد تغنينا عن مائة ضربة، فلابد من استخدام معول الذكاء لننجز أكثر بجهد أقل. فيمكن أن يعمل الإنسان 8 ساعات يومياً من أجل الراتب، و10 ساعات من أجل المدير الجيد، و24 ساعة من أجل أهداف يسعى إلى تحقيقها لذاته. كما أن من المهم في العمل أن يدرك الجميع أن الاختلاف لا يعني أننا على خطأ، فقد نكون جميعاً على صواب لكن كل منا يرى ما لا يراه الآخر ومن يعتمد مبدأ (إن لم تكن معنا فهذا يعني بالضرورة أنك ضدنا) يخطئ لأنه لا يستوعب أن رأينا ليس صحيحاً بالضرورة لمجرد أنه رأينا، فلابد من أن نستفيد من آراء الناس، لأن كلا منهم يرى ما لا تراه. فالرأي قد يكون صحيحاً أو على الأقل مفيداً. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مهرة سعيد المهيري كاتبة إماراتية