كان انهيار سوق الإسكان سبباً مباشراً للأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة في عام 2008، لكن أخطر العواقب الرهيبة المترتبة على الأزمة كان ما يطلق عليه «التداعيات الإنسانية المباشرة»، متمثلة في حوادث الانتحار والقتل العمد. وفي كتابه الذي نعرضه هنا، يحاول بانكاج أغراول، أستاذ المالية في جامعتي «مين» و«هارفارد» الأميركيتين، فهم الأسباب الكامنة وراء هذه النتيجة القاتمة، مستعيناً بـ«النظام الوطني للإحصاءات الحيوية» الخاص بمراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها، للحصول على البيانات المتعلقة بمعدلات الانتحار السنوية بين عامي 1988 و2008، بغية بناء نموذج موسع يربط تلك معدلات الانتحار بمعدل البطالة. كما قام بتتبع حوادث الانتحار والقتل العمد للسنوات 2008 و2009 و2010، والتي حدثت نتيجة عوامل ناجمة عن انهيار قطاع الإسكان، مثل حالات تعثر سداد الرهن العقاري، وحبس الرهن، والإخلاء. ثم يعرض إحصاءات مجمعة تغطي مختلف الجوانب التوزيعية للأحداث المسجلة، بما في ذلك تحليل أكثر من 1?8 مليون حادثة وفاة أُخذت من قاعدة بيانات الموقع الإلكتروني لنظام الاستعلام والإبلاغ عن إحصاءات الإصابات التابع لمركز مراقبة الأمراض والوقاية منها. لا شك في أن خسارة المنزل، أو التهديد بها، أمر مزعزع لاستقرار الأفراد والأسر، لاسيما ذوي شبكات الأمان المحدودة، مثل الـ46 في المئة من العائلات الأميركية التي تقل أصولها السائلة عن خمسة آلاف دولار، أو الـ52 في المئة الموظفين الذين يعيشون على من رواتبهم عيشة الكفاف. لذلك يذكر الكتاب أن نحو 2?5 مليون حالة حبس رهن عقاري حصلت بين عامي 2006 و2009، بل 7?5 مليون حالة حبس رهن أخرى حدثت قبل أن تحد خفة الأزمة في عام 2012. وينقل المؤلف عن تقرير قدمه بن برناركي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، للجنة الإسكان في مجلس الشيوخ، عام 2012، يشير إلى أن هناك 12 مليون حالة رهن عقاري «غارقة»، بأسهم سلبية إجمالية بلغت قيمتها 700 مليار دولار، ونحو 660 ألف حالة رهن عقاري مرت على استحقاقها 30 يوماً، و310 آلاف رهن عقاري مرت على استحقاقها 60 يوماً، ومليون حالة مرت على استحقاقها 90 يوماً أو أكثر، و1?4 مليون حالة رهن محبوس، وأن هناك موجة من حبس الرهن تؤثر في الحاصلين على قروض من الدرجة الأولى الثابتة الفائدة، نتيجة فقدان الوظائف وارتفاع مستوى البطالة. ويوضح الكتاب أن العائلات التي واجهت مشكلة حبس الرهن العقاري، كابدت ارتفاع معدلات الاكتئاب، والخلافات الزوجية، وتدني الأداء التعليمي. كما أنه غالباً ما يكون للانتقال القسري تأثير سلبي متفاوت على الأطفال وكبار السن الذين يجدون أنفسهم اقتلعوا من شبكاتهم الاجتماعية وغرسوا في بيئات أخرى لم يألفوها. وعليه يوثق المؤلف لعدد كبير من حوادث الانتحار والقتل العمد، بوصفها انهياراً نهائياً لفرد يواجه الشدائد الناجمة عن حبس الرهن، أو تعثر سداد الرهن العقاري، أو الإخلاء القسري. وقد لاحظ زيادةً في نسبة حوادث الانتحار والقتل العمد عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008. وخلافاً للاعتقاد العام، يبين المؤلف حصول عدد كبير من هذه الوفيات في أوساط فئة أصحاب الدخل المرتفع، والعاملين في القطاع المالي. وقد شمل المؤلف بدراسته هذه 30 عاماً من بيانات البطالة والانتحار في الولايات المتحدة (1980 -2010)، ليجد أن العلاقة التي توصل إليها الباحثون في دراسات سابقة حول العلاقة بين البطالة والانتحار في أوروبا، تنطبق على الولايات المتحدة أيضاً. وقد توصل من بحثه حول 1?839 مليون حالة وفاة مرتبطة بـ«الإصابات» بين عامي 1999 و2009، إلى أن نسبة حالات الانتحار مثلت ضعف نسبة حالات جرائم القتل العمد تقريباً (19?5 في المائة مقابل 10?7 في المئة)، وأن الأسلحة النارية استخدمت في 57 في المئة من حالات الانتحار، وفي 40 في المئة من جرائم القتل العمد. وعلى ضوء العلاقة ذات الدلالة الإحصائية بين حالات حبس الرهن العقاري والجرائم العنفية، يخلص «أغراوال» إلى أنه ما من نظام اقتصادي يمكنه تحمل مثل هذه الخسارة المباشرة في رأس المال البشري. لذلك يتعين على الولايات المتحدة صوغ استراتيجية تحول دون مثل هذه التداعيات الإنسانية الجسيمة للانهيارات المالية، والتي يمكن أن تتكرر في أي زمان أو مكان. محمد المنى الكتاب: النتائج الاجتماعية السلبية للأزمة المالية العالمية المؤلف: بانكاج أغراوال الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014