يعد مفهوم السرعة من صميم نظرة الكوريين لأنفسهم. فبعد النهوض من آثار الحرب في الخمسينيات، والتعافي من الانهيار المالي في أواخر التسعينيات، والنمو في مجال التكنولوجيا والترفيه خلال العقد الماضي، حولت كوريا الجنوبية قدرتها على إنجاز المهام في وقت قصير إلى سمة وطنية مميزة. لكن وسط الأحزان، وتبادل الاتهامات والتغطية اللاهثة للأخبار، كشفت التحقيقات حول مأساة غرق عبارة الركاب «سيول» في 16 أبريل الجاري عن انقسامات عميقة في هذه الرواية. كما أن تصرفات طاقم العبارة العملاقة، والتي كان يتولى قيادتها وكيل الربان الثالث (عمره 26 عاماً ويفتقر للخبرة)، إلى جانب الارتباك الذي أصاب الطاقم أثناء عملية الإجلاء الفاشلة للعبارة.. ترسم صورة العجز الجنائي المحتمل. وقد صبت عائلات الضحايا جام غضبها على الحكومة بسبب الانتظار الطويل قبل تسلم جثث أحبائهم، الأمر الذي أظهر أن الحكومة تفتقر إلى المهارات اللازمة لإدارة الأزمات. وقد وجهت انتقاداتي لماليزيا بسبب أسلوبها الكئيب في البحث عن طائرة الخطوط الماليزية المفقودة (رحلة 370)، حيث إن الحكومة هناك مثقلة بنظام الحزب الواحد الذي يتصف بعدم الكفاءة والغطرسة. لكن ما الذي يفسر هذه الكارثة في كوريا الجنوبية التي تتباهى بالديمقراطية والتكنولوجيا الفائقة؟ نحن هنا أمام درس حول حدود استخدام الناتج المحلي الإجمالي السريع كمقياس وحيد لنجاح الأمم. إن كارثة العبارة سيول هي بمثابة صيحة إنذار لكوريا لمعالجة نقاط الضعف في ثقافتها السياسية والتجارية. غير أن حادثة واحدة لن تكون سبباً في توجيه الاتهام إلى حكومة بأكملها، ناهيك عن شعب يتألف من 50 مليون نسمة. فأي محاولة للقيام بذلك سوف تكون بمثابة ظلم مُبالغ فيه. كما أن العالمين المتقدم والنامي على حد سواء، لديهما السبب للفزع بسبب انتصارات كوريا الاقتصادية، حيث تمكنت من هزيمة الفخ المرعب للدخل المتوسط، وأنشأت مجموعة من الشركات قادرة على منافسة كبريات الشركات مثل «آبل» و«تويوتا»، وغمرت العالم بموسيقى البوب الخاصة بها وأفلام الأكشن والدراما التلفزيونية. لكن الكوارث التي يصنعها البشر تكشف الكثير مما وصلت إليه الأمم، وأن الوقت قد حان لرسم مسار جديد. ويبدو أن مشاكل كوريا تنبع جزئياً من الصدام بين ثقافتها التي تعتمد على السرعة والحكومة التي ما زالت تتمسك بالبيروقراطية، والتسلسل الهرمي. فلماذا، مثلا، يستغرق الأمر ما يقرب من الساعة كي تبدأ إدارة الكوارث المركزية وإجراءات السلامة بالحكومة في جهود إنقاذ ركاب العبارة البالغ عددهم 476 شخصاً، 325 منهم من طلاب المدارس الثانوية. في شهر فبراير الماضي، قررت رئيسة كوريا الجنوبية «بارك جيون هاي» تعزيز دور وزارة الأمن فيما يتعلق بإدارة الكوارث، وهي الخطوة التي قللت من أهمية وكالة إدارة الطوارئ الوطنية التي كانت تعتبر أكثر خبرة. وعليه، فإن جميع الكوريين، وليس فقط أعضاء العائلات المنكوبة، لديهم الحق في السؤال عما إذا كانت هذه الخطوة قد عززت أم أضعفت من قدرة الحكومة على تحمل الأزمات. ومن ناحية أخرى، فإن ثقافة الأعمال الكورية تستحق إعادة نظر شاملة. هل يعرض مشغلو العبارات حياة الناس للخطر لتعزيز أرباحهم في بيئة تتميز بالمنافسة الشديدة؟ هل يجب أن تخضع السفن التي تبحر في المياه المحلية لمعايير سلامة أكثر صرامة كما هو الحال مع تلك التي تبحر في المياه الدولية؟ وعلى الجانب الآخر، فإن ثقافة كوريا فيما يتعلق بتعيين كبار المسؤولين بناءً على الأقدمية، كمكافأة على الفترة التي أمضوها في الخدمة، وليس بناءً على قدرتهم أو كفاءتهم، ينبغي أن تتغير هي كذلك. فالوزارات والشركات تتم إدارتها من قبل مسؤولين لديهم شعور بأنهم مؤهلون لهذه المناصب أكثر من شعورهم بالمسؤولية، الأمر الذي يعتبر كارثة على وشك الحدوث. وبالمثل، فإن ثقافة الشركات التي يدع فيها قائد العبارة مساعده الثالث ليقوم بمنعطف خطير ثم يأمر الركاب بالبقاء في الطوابق السفلية بينما يهرول مسرعاً طلباً للسلامة، هي ثقافة في حاجة إلى مراجعة حقيقية وجادة. وكذلك الحال مع انشغال كوريا بتحقيق نمو سريع في إجمالي الناتج المحلي في كافة المجالات. إن الحكومات تميل إلى رؤية التحسن في مستوى المعيشة باعتباره الكأس المقدسة للمصداقية والكفاءة. ولا يهم أن ملايين من الصينيين يموتون كل عام بسبب أمراض ناتجة عن التلوث، وأن الدراسات تحذر من مخاطر السماء التي تزداد سواداً والمياه السامة التي قد تسبب أضراراً وراثية للأطفال. إن معدل النمو الذي حققته الصين، والبالغ 4ر7 بالمائة، يعفي الحزب الشيوعي من كل الخطايا. لكن ذلك لن يدوم طويلا. إن اقتصاداً من الدرجة الأولي يعني القليل إذا أثبتت المؤسسات الحكومية أنها من الدرجة الثالثة فيما يتعلق بإدارة الأزمات. فهل جعل معدل النمو السريع الكوريين أكثر سعادة؟ لقد بحثت حول اللغز في أن الكوريين يشعرون بالكآبة بينما يزدادون ثراءً، واستندت على دراسة حول الرضا عن الحياة أعدتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وشملت 32 دولة، حيث جاءت كوريا في المرتبة الـ31. وكان أحد التفسيرات أن حكومة كوريا انشغلت لفترة طويلة بتحقيق النمو السريع واللحاق باليابان لمعالجة قضايا تتعلق بنوعية الحياة. لقد حان الوقت لكي تقوم حكومة كوريا الجنوبية باللحاق بنجاحها الاقتصادي. إن الرئيسة بارك غالباً ما تقذف بكلمات مثل «السلامة» و«المبادئ» و«المساءلة»، وهي كلمات بدت بعيدة كل البعد في أزمة العبارة سيول. ويليام بيسيك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»