رغم استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، وحشد قواتها على حدود أوكرانيا مازال القادة الغربيون يرفضون إدارك ما يفكر فيه بوتين. فمازال هناك مسؤولون أميركيون يأملون في أن بوتين سيتفاوض للتوصل إلى «تسوية» مع حكومة كييف، ولن يشرف على تدبير عملية تقطيع أوصال أوكرانيا، ويجب أن يُحكم على هؤلاء الذين مازالوا يؤمنون بمثل هذه الترهات بمشاهدة الدعاية الفجة المناهضة للغرب في التلفزيون الروسي الرسمي حالياً. وفي ظل حكومة يلتسين في تسعينيات القرن الماضي كانت وسائل الإعلام الروسية الخاصة تتمتع بحرية الحركة. وأعاد بوتين الاستيلاء على شبكات التلفزيون القومية التي مازالت أهم ناقل للأخبار في قلب الأراضي الروسية، بالإضافة إلى كل الصحف المستقلة، وفي زيارة لموسكو عام 2012 في الفترة السابقة على الانتخابات الروسية الأخيرة أدهشني مستوى النقد المعادي للغرب في البرامج الحوارية في التلفزيون، فأكثر القصص غرابة عن المؤامرات الغربية لتحطيم روسيا كانت تناقش كما لو أنها حقيقة، لكن هذا لم يكن إلا النذر اليسير مقارنة بما يجري الآن. فقد قالت زميلة روسية عبر الهاتف من موسكو «لم يكن لدينا مثل هذه الدعاية حتى في العصر السوفييتي... لو استمعت إليها لداهمتني أزمة قلبية»، حيث نقلت حملة الكرملين على القرم وشرق أوكرانيا الدعاية إلى مستوى جديد. ?وأغلق الكرملين أو استولى على أغلب القليل المتبقي من الأصوات الإعلامية المستقلة بما في ذلك «دوجد» آخر قناة تلفزيونية مستقلة وعلى مواقع الإنترنت. ووكالة أنباء نوفوستي المحترمة رغم أنها مملوكة للدولة أغلقت فجأة وأعيد تدشينها باسم «روسيا اليوم». ومع السيطرة شبه الكاملة على وسائل الإعلام، اعتزم الكرملين بيع قصته بشأن أوكرانيا إلى شعبه والعالم. ودأبت المنافذ الإعلامية الروسية على تصوير الاحتجاجات في أوكرانيا والإطاحة بالحكومة في كييف باعتبارها «انقلاباً» دبره الغرب بمساعدة «النازيين» و«الفاشيين» المناهضين للسامية. والواقع أنه رغم مشاركة جماعات يمنية في الاحتجاج، فإنها لم تكن إلا جزءاً صغيراً من الاحتجاجات التي أدى إليها فساد الحكومة المؤيدة لروسيا، وقرار التراجع عن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أوروبا الذي اتخذ بضغط من الكرملين. الحكومة لم تسقط بسبب مؤامرة، لكن بسبب أن القوات الأوكرانية الخاصة المدعومة بمستشارين من موسكو قتلت عشرات المحتجين. وشنت الحكومة الأوكرانية الجديدة حملة مشددة على اليمين المتطرف، وهم أقل جموحاً من جماعات النازيين الجدد في روسيا، وأقرت للجماعات ذات الأصول الروسية بالتمتع بحقوق اللغة والحكم الذاتي. ولا يسمع المرء هذا أبداً في وسائل الإعلام الروسية، ولن يسمع المرء أبداً أن الزعماء اليهود في أوكرانيا طلبوا علنا من بوتين أن يكف عن تشويه الحقائق بشأن معاملة اليهود، بل تذيع وسائل الإعلام الروسية تقارير مسعورة ومقاطع مصورة معالجة بشكل يخل بالحقيقة ومزاعم زائفة عن الضحايا، ما يؤجج الخوف من الفاشيين وسط الروس في بلادهم الأم وفي شرق أوكرانيا، حيث يشاهد السكان هناك قنوات التلفزيون الروسي التي تبث إرسالها من موسكو. وأشعل سعار وسائل الإعلام الدعم الداخلي لبوتين، وأقنع الروس بأن حكومتهم كانت مضطرة للتدخل في القرم وقد يتعين فعل نفس الشيء في شرق أوكرانيا. ويتبجح بوتين بنفي إرساله قوات إلى شبه جزيرة القرم، وينفي أيضاً أن هناك 40 ألف جندي مستعدين لاقتحام حدود أوكرانيا، وهم واضحون للغاية في صور الأقمار الصناعية. لكن الغرب لا يستوعب خطورة ادعاءات بوتين الكبيرة. ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»