إذا استبعدنا الانتخابات الأميركية، فإن الانتخابات التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام والمتابعة على مستوى العالم هي الانتخابات الهندية. والسبب لا يكمن فقط في أن الهند هي من أعرق الديمقراطيات في العالم النامي، وإنما أيضاً لأن انتخاباتها التشريعية تشبه الماراثون متعدد المراحل، ناهيك عن أنها عملية معقدة وتشكل تحدياً لوجستياً. ولعل انتخابات 2014 التي انطلقت في السابع من أبريل الجاري والمفترض اختتامها في 12 مايو وإعلان نتائجها النهائية في 17 من الشهر نفسه هي الأكثر شداً للانتباه وحبساً للأنفاس. فهي تجري على تسع مراحل ويشارك فيها نحو 814 مليون ناخب، أي بزيادة مائة مليون ناخب عن الانتخابات الماضية في عام 2009، ويجري التصويت فيها في مليون مكتب اقتراع تتوزع من أعالي جبال الهملايا شمالاً إلى المناطق الاستوائية في الجنوب. أما الأمر الأهم من كل ما سبق فهو التنافس الحاد بين الأحزاب الإقليمية وثلاثة أحزاب رئيسية ــ حزب «المؤتمر» العريق، وحزب «بهاراتيا جاناتا» القومي، وحزب «آدمي» الحديث على الساحة السياسية، ومحاولة كل حزب الظفر بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الاتحادي المكون من 543 مقعداً ليكون له تأثير في تشكيل الحكومة المقبلة في حالة عدم فوز أي حزب كبير بالأغلبية المريحة. وكما هي العادة في أي انتخابات تلجأ الأحزاب المتنافسة إلى دغدغة مشاعر الجماهير بالوعود الوردية، وتطعن في جدارة وأهلية خصومها لجهة تولي السلطة أو البقاء فيها، وتبُرز أهم الإخفاقات التي حدثت في السنوات الماضية. غير أنه في الحالة الهندية لوحظ على الدوام عملية تودد منظمة إلى الأقلية المسلمة التي تشكل نحو 15 بالمائة من عدد السكان البالغ تعداده 1.2 مليار نسمة، وذلك من أجل كسب أصواتهم كونها تؤثر في 111 مقعداً من أصل 162، لاسيما في ولايات «أوتار براديش» المكتظة و"أندرا براديش" و"كارناتاكا" و"كيرالا" والبنغال الغربية. أما في انتخابات هذا العام فإنه لوحظ وجود تنافس حامي الوطيس على كسب أصوات الشباب المتذمرين من الفساد والتضخم وقلة فرص العمل، لاسيما من جانب حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي يراهن على جذبهم إلى جانبه مستغلاً إخفاقات غريمه- حزب «المؤتمر» الهندي- لجهة تحقيق طموحاتهم العجولة، ومعولاً على عدم وجود ولاء أيديولوجي مسبق لديهم في الغالب الأعم. والمعروف أن منْ هم تحت سن 26 في الهند يشكلون أكثر من نصف عدد السكان، ناهيك عن دخول نحو 90 ألف نسمة ضمن من يحق لهم التصويت هذا العام بسبب إتمامهم سن الثامنة عشر. وكما ذكرنا في مقالات سابقة فإن ثلاثة فرسان يخوضون السباق الانتخابي هذا العام على رؤوس أحزابهم أوتحالفاتهم السياسية، وينتظر أن يقود أحدهم- في حال فوز حزبه- الهند خلال السنوات الخمس المقبلة في موقع رئاسة الحكومة خلفا للدكتور «مانموهان سنج»، مع توقعات كبيرة بأن يؤول المنصب إلى مرشح حزب «بهاراتيا جاناتا» السيد «ناريندرا مودي» الذي يدور حوله جدل كبير بسبب ما قيل عن تقاعسه في توفير الحماية لمسلمي ولاية جوجارات في عام 2002 حينما كان رئيساً للحكومة المحلية في هذه الولاية، لكنه يحظى في الوقت نفسه بتأييد الكثيرين على خلفية وعوده بإنعاش الاقتصاد والقيام بالمزيد من الاستثمارات، وحماية النساء من حالات العنف والاغتصاب التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وتوفير عشرة ملايين فرصة عمل جديدة للشباب، خصوصاً وأن للرجل سجلا حافلا بالنجاحات الاقتصادية التي حققها في جوجارات، وهي الولاية التي حكمها دون انقطاع لمدة 2036 يوماً فدخل تاريخها كأطول رئيس لحكومتها المحلية. والعامل الآخر الذي يعمل في صالح «مودي» خلفيته الطبقية. فهو، على العكس من مرشح حزب «المؤتمر» الذي ينتمي إلى عائلة نهرو/غاندي الأرستقراطية، ينتمي إلى أسرة معدمة كان ربها يبيع الشاي داخل كشك من أكشاش إحدى محطات القطارات، ثم إن هناك عوامل إضافية تعمل في صالحه أيضاً من تلك التي تتعلق بمنافسيه. فمنافسه الأبرز «راهول غاندي» طري العود ولا يملك أي خبرة سياسية، ولم يسبق له أن تولى منصباً حكومياً، ناهيك عن أنه كان مبتعدا لفترة طويلة عن الشأن العام، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان لمن كان مثله أن يقود الهند، حتى من وراء الكواليس، كما تريد له والدته زعيمة حزب المؤتمر السيدة «سونيا غاندي» أن يفعل. أما منافسه الثاني، فهو «أرفيند كرجريوال» وهو طارئ على الحلبة السياسية كما أسلفنا، ولا يملك ما يشفع له سوى حملاته في مواقع التواصل الاجتماعي ضد الفساد والمفسدين، وهو في هذا يعتمد على مجموعة من الشبان الهنود الذين عملوا في الولايات المتحدة مع شركات مثل «مايكروسوفت» و«أمازون» و«إيه تي آند تي». و«كرجريوال» هو مؤسس وزعيم حزب «عام آدمي» ومعناه بالعربية «أنا إنسان». والحقيقة أنه على العكس مما يكتب ويتداول، فإن «مودي» لا ينتمي إلى حزب «بهاراتيا جاناتا»، وإنما إلى حزب «راشتريا سوايام سانج»، وهو أحد أحزاب التحالف الديمقراطي القومي، الذي يقوده «بهاراتيا جاناتا». والحقيقة الأخرى أن «بهاراتيا جاناتا» على الرغم من أنه لا ينفي عن نفسه صفتي «القومي» و«الهندوسي»، إلا أنه في ظل دستور الهند العلماني والأعراف الديمقراطية الراسخة لا يمكنه أن يمزق النسيج الاجتماعي الفريد للأمة الهندية، حتى لو رغب في ذلك من منطلق أن الهندوس يشكلون 80 بالمائة من سكان الهند، وبالتالي يجب أن تكون لهم الكلمة العليا. ولعل أفضل دليل على صحة ما نقول هو أن هناك نسبة لا بأس بها من الهنود المسلمين لا تستجيب لنداءات حزب "المؤتمر" وتقترع لمصلحة «بهاراتيا جاناتا». وإذا وصل «مودي» إلى سدة الحكم، فسوف يكون لنا مقال آخر مفصل حول سنواصل سيرته الذاتية. ـ ـ ـ ـ ـ د. عبدالله المدني باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين Elmadani@batelco.com.bh