إذا كان علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية يقوم بالدراسات المعنية بالمُجتمعات البدائية وما يتعلق بها من بناء اجتماعي وعلاقات اجتماعية ونظم اجتماعية مثل العائلة، والفخذ، والعشيرة، والقرابة، والزواج، والطبقات والطوائف الاجتماعية، والنظم الاقتصادية والسلطة والحكومة، والنظم العقائدية، فإن "السوسيولوجيّ" عِلْمٌ يَدْرُسُ الْمُجْتَمعاتِ الإِنْسانِيَّةَ والْمَجْموعاتِ البَشَرِيَّةَ، وَظَواهِرَها الاجْتِماعِيَّةَ، ويدرس الإنسان بوصفه كائناً يعيش وسط جماعة، تشكل فيما بينها ترابطاً وتناغماً من نوع محدد. فقديماً ومع تباعد الأماكن وقلة التواصل بين الناس، كان لكل مجموعة من البشر تجمع سُمي بالعشيرة ومجموعة منها تكون القبيلة، ولكل قبيلة لغتها التي ربما كانت في يوم من الأيام لهجة في لغة مشهورة، لكنهم لما ابتعدوا عن الناس تكونت بينهم رموزهم الخاصة التي شكلت لغتهم، كما تكونت لهم عادات وتقاليد تميزهم عن غيرهم، بل حتى أنهم شكلوا لهم طقوساً ومعتقدات دينية تميزهم عن بقية الأمم. وعندما تواصلت هذه الشعوب مع بعضها تبين لأفرادها الفجوة في تفكيرهم فكل جماعة "بما لديهم فرحون"، وهذا الأمر قادهم إلى الصراع فيما بينهم على الكلأ تارة وعلى الماء مرة أخرى، واستمرت الحروب بينهم حتى أثخنتهم جراحهم، وتبين لهم أن قوتهم في اتحادهم، فتكونت الدول من مجموعة من القبائل اتحدت فيما بينها لتحقيق أهداف مشتركة تحت راية واحدة، هذا يمثل سرداً سريعاً لفكرة تطور الدول ونشأتها، وقد يسأل أحدكم وما علاقة ذلك بالجماعات الإسلامية؟ سؤال سأجتهد في الإجابة عنه. لو عكسنا السرد التاريخي السابق لفهمنا العلاقة بين ما سبق والجماعات الإسلامية المتطرفة، فبدايتهم تكون في دولة متحدة وبين أناس يعيشون متآلفين فيما بينهم، يتم استقطاب أفراد من المواطنين الشباب وعزلهم في جماعات صغيرة كأنهم قبائل في مجتمع واحد، في كل قبيلة تنشأ عشائر محددة، دعوني أقرب لكم المشهد. فـ"قبيلة" الإخوان المسلمين المشهورة ولدت للمجتمع العربي حزب "التكفير والهجرة"، الذي انشق كما يُقال عن الجماعة الأم فمثّلَ عشيرةً تحت هذه القبيلة، كما تولدت "القاعدة" ، وغيرها من جماعات التطرف الديني. وعن "قبيلة" السلفية انفصلت "السلفية الجهادية" و"السروريون" وغيرهم، بل حتى من قبيلة الصوفية نشأت عشائر متعددة. وعندما تتكون هذه العشائر في مجتمع ما تبدأ في التباعد عن بعضها البعض، فتتكون لديها رموزها الخاصة ولغتها المميزة وفكرها الذي يختلف عن غيرها، ولأنه لا يوجد تواصل بينها يستمر أعضاؤها في التباعد عن بعضهم. ومع لقاء حول الكلأ والماء (المصالح) تنشأ بينهم الحروب الفكرية التي تتحول إلى حروب أهلية وصراع على المصالح تحرق الأخضر واليابس، وكل من يقرأ تاريخ الحروب الدينية في الماضي والحاضر يجد هذا السيناريو حاضراً. السؤال الذي يلخص ما سبق مؤداه: هل يريد أحد منا أن يعيش في مثل هذا المجتمع؟ اعتقد أن الجواب بالنفي حاضر لدينا جميعاً. فبعد أن منّ الله تعالى على هذا الوطن بالاتحاد بعد فرقة، وحقق تحت راية قيادتنا الرشيدة كل الإنجازات التي عجزت عنها الكثير من دول العالم العربي، حتى أصبح العيش في مجتمع الإمارات حلماً يراود الكثير من الناس، هل من المنطق أن نتشرذم إلى فئات فكرية تعمل وفق منظومة سرية تحركها أجندات مختلفة في أشكالها تمثل في حقيقتها جمرا تحت رماد مدسوس ينتظر معركة المصلحة كي يصطلي بنارها المجتمع وينهدم في لحظات كل ما تم بناؤه في سنوات؟ وهل هناك من نعمة يندم عليها الإنسان أكبر من نعمة الأمن والأمان؟ وهل منهم من يعقل قول الرسول عليه الصلاة والسلام "لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ". أتمنى أن يراجع كل من له ولاء سري موقفه ويعيد النظر في فكرته.