د.علي الطراح سفير الكويت لدى اليونيسكو - باريس الشرق الأوسط الآن في حالة فقدان توازن. العراق يعيش حالة اضطراب كبيرة، والجزائر أوضاعها محتدة وحرب قبائل تشغل حيزاً فيها في بلد يفترض فيه تجاوز الفئوية، ومصر المقبلة على انتخابات رئاسية تعيش ظروفاً غير مستقرة، ولبنان يحاول أن يحافظ على فسيفسائه وأبوابه مفتوحة على الرغم من تطور الوضع السوري الذي تعقد واقتربت المدافع من دمشق العاصمة، وتحولت أنحاء من بعض دول المنطقة العربية إلى مساحة جغرافية تسيطر عليها منظمات «داعش» و«النصرة» وغيرهما من تنظيمات إرهابية مأجورة تقوم بمهام محددة لضرب المنطقة وفرض جغرافيا جديدة عليها. واليمن يعيش حالة فوضى كبيرة وتتوسع مخاطر جماعة الحوثيين وتقترب من صنعاء العاصمة. وفي الكويت تخرج المعارضة الجديدة بأجندة يتفق عليها شتاتها، ويوحدها ما وصلت إليه الأوضاع العامة، حيث إن التراخي في الحسم، من وجهة نظرها، أوجد أرضية لينة لنشوب سجالات محسوسة. وفي المجمل فالصراع الطائفي يشتد، وهو صراع تجاوز حال الاستقطاب بين السُنة والشيعة، وأصبح صراعاً يؤدي وظيفة إضعاف الدولة المركزية في بعض الدول العربية، فالسُنة والشيعة منقسمون على أنفسهم، والمنطقة العربية تعيش حالة من حالات الفوضى النادرة في العصر الحديث، وهي حالة تتناغم مع دعوات تغيير جغرافية المنطقة. والولايات المتحدة الأميركية، وهي الحليف التقليدي للمنطقة الخليجية، تندفع نحو تغير في تحالفاتها، ويلعب الصقور الدور المطلوب لدفع حدة الحرب على الإرهاب، وهي حرب قد تطيح بركائز تقليدية لبعض التحالفات القديمة، خصوصاً أن التحالفات الاستراتيجية غالباً ما تعقد مع أنظمة وثقافات متشابهة، وقد يرى بعض الحلفاء العرب أن أميركا باقية بتعهداتها القديمة، بينما أرض الواقع تؤكد عدم ملاءمة الرهانات المطلقة. إن التغيير في جغرافية الشرق الأوسط الجديد قد ينبثق من الحرب على الإرهاب التي بدأت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهي سياسة يتبناها المحافظون الذين فرضوا هذه المعالم على السياسة الخارجية الأميركية. فالحرب على الإرهاب تقتضي، وفق غلاة المحافظين الجدد، تغيير البيئة التي ساعدت أو رعت، من وجهة نظرهم، الفكر الإرهابي الذي دخل مع الغرب في مواجهات مسلحة. والسياسة الجديدة قد تذهب حتى إلى تغيير بعض الأنظمة السياسية إذا ما اقتضت الظروف، وهذه الحقيقة كثيراً ما نستبعدها، بينما لدينا مؤشرات قد تؤكدها. وبعض من الدول العربية يتخذ مواقف حازمة من الإرهاب. ولكن ذلك قد لا يخفف وحده الضغوط الأميركية بينما واقع التغيير يفرض نفسه لوجود قناعات لدى أطراف في الغرب بأن منطقتنا بيئة حاضنة للعنف، ما قد يعزز الرغبة في تغيير هذه البيئة. إن دول الخليج العربي معنية بالدرجة الأولى بمختلف التحديات الإقليمية، وعليها أن تعيد تقييم بعض ركائز سياستها التقليدية، خصوصاً حول ما يشاع من أنها غير قادرة لوحدها على حماية نظامها الإقليمي، وأن الضامن لأمنه هو الحليف الأميركي. والحال أن هذه الدول مجتمعة تملك كثيراً من الإمكانات وعليها إحداث توازن في سياساتها الخارجية، وأن تبعد كل دولة على حدة الوهم كأن ترى أنها قادرة على شق طريقها دون الاكتراث لصيغة التوحد أو التقارب فيما بينها. كما أن هذه الدول مطالبة أيضاً بمراجعة بعض سياساتها الداخلية، خصوصاً بمواجهة استباقية لأية أعراض لظاهرة تفشي الفساد واختلال الميزان الاجتماعي الذي ربما أصبح جلياً في بعض من دولنا. فالتحديث بأشكاله الملائمة قد يشكل إحدى الضرورات، ولا يعيبنا إذا ما عالجنا بعض الاختلالات، وحاولنا إيجاد وسائل أكثر حيوية في نشر الوعي الاجتماعي في علاقة المواطن بالدولة. فعلاقة التبعية التي تفرض نفسها ربما جاء الوقت الذي يقتضي أن تراجع وأن نعيد لهذه العلاقة توازنها القائم على فكرة المسؤولية والواجبات التي تفرضها قيم المواطنة.