لاشك أن التجبر الإسرائيلي في المفاوضات التي يرعاها وزير الخارجية الأميركي له ما يبرره، لقد أضاع الإسرائيليون وقت المفاوضات التي أوشكت على الانتهاء في نهاية هذا الشهر في طرح مطالب تعجيزية على المفاوض الفلسطيني، بحيث يجد نفسه بين خيارين إما الرضوخ للمطالب الجائرة أو التوقف عن التفاوض مع نهاية الوقت المحدد. لقد حاول الفلسطينيون أن يجدوا طريقاً ثالثاً وهو طريق يجمع بين الانضمام إلى عدد من منظمات الأمم المتحدة من ناحية ومطالبة الأميركيين بمواصلة دورهم في رعاية عملية السلام من ناحية ثانية والاستنجاد بالجامعة العربية من ناحية ثالثة للضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لتلتزم بمرجعيات عملية السلام. أمامنا سؤالان أولهما عن موازين القوى التفاوضية وثانيهما عن الأهداف الحقيقية للتجبر الإسرائيلي. إن موازين القوى على المستوى الإقليمي تكشف عن خلل خطير لمصلحة إسرائيل لأسباب عديدة أهمها التمزق الداخلي الذي لحق بدول عربية مركزية بسبب ثورات «الربيع العربي» وما ترتب على هذا من ضعف نسيج النظام العربي وتماسكه والذي كان في أوج قوته في حرب أكتوبر 1973 وفي حرب تحرير الكويت. هذا الوضع العربي لا يسمح بإحداث الضغط الكافي على الولايات المتحدة لتدفع إسرائيل في اتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أرض الضفة كاملة وغزة والكف عن سياسات القضم والهضم والاستيطان. هذا في حين تنعم إسرائيل بدرجة عالية من الاستقرار والتماسك الداخلي، الذي يعبر عن نفسه في حكومة تجمع بين أحزاب اليمين المتطرف المصمم على الاستيطان واقتطاع غور الأردن والاحتفاظ بالقدس الشرقية المحتلة ورفض عودة اللاجئين وبين أحزاب الوسط المعنية بتحقيق اتفاقية سلام على أساس وجود دولتين متجاورتين. أما على المستوى الدولي فإن اهتمام الولايات المتحدة بعملية السلام يصاحبه إدراك لدى الإدارة الأميركية بأن هناك حدوداً لقدرتها على الضغط على الإسرائيليين ليتمموا صفقة التسوية على أساس مرجعية الأرض مقابل السلام وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 مع تبادل طفيف للأراضي. لقد جربت الإدارة الأميركية قدرة نتنياهو على توليد الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة لفرملة إدارة الرئيس أوباما خلال فترة ولايته الأولى، لذلك فإن ميزان القوى الدولي بدوره مختل لصالح إسرائيل في غياب قوى دولية أخرى مؤثرة. إن هذا الميزان هو ما يسمح لإسرائيل بالتجبر بطرح مطالب تعجيزية والامتناع عن الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى إلا إذا حصلت على عدة مكاسب وهي الإفراج عن الجاسوس بولارد ومد المفاوضات العبثية وامتناع السلطة عن الالتحاق بمنظمات الأمم المتحدة وعدم الاعتراض على الاستيطان ووجود سلطة فلسطينية تمنع المقاومة للاحتلال وتعفي إسرائيل من مسؤولياتها الاقتصادية كدولة احتلال، وثانيها إرضاء الإدارة الأميركية بمواصلة المفاوضات شكلياً، وثالثها الحفاظ على تماسك حكومتها الجامعة بين اليمين والوسط، ورابعها اكتساب صورة الدولة المعنية بالسلام دون تحقيق أي من متطلبات هذا السلام.