تولي دولة الإمارات العربية المتحدة تطوير التعليم أهمية خاصة، وتضع هذا الهدف بين قائمة الأولويات المتقدمة في عملها التنموي منذ نشأتها، من منطلق الوعي بأن التعليم المتطور هو القاطرة التي تقود العملية التنموية، وباعتبار أن الإنسان هو صانع التنمية قبل أن يكون هدفها، في هذا السياق تأتي المبادرات العديدة لتطوير التعليم، التي تنفذها المؤسسات المختصة في الدولة، التي من بينها «مجلس أبوظبي للتعليم»، الذي قام خلال الأعوام الماضية بإغلاق ما يسمى «مدارس الفلل» في إمارة أبوظبي، التي كان يبلغ عددها نحو 71 مدرسة، بسبب عدم توافقها مع المعايير كمنشآت تعليمية تتوافر فيها البيئة الملائمة للتحصيل العلمي السليم وإعداد خريجين متميزين ومؤهلين على الوجه الأكمل، وقرر نقلها إلى مبانٍ جديدة منشأة ومجهزة خصيصاً للغرض التعليمي، وبالتوازي مع ذلك منح المجلس 95 ترخيصاً لمدارس جديدة، وبرغم أهمية هذا الإجراء في تعويض القصور الذي قد تكون تعرّضت له المنظومة التعليمية جراء عملية النقل، وكذلك من أجل الاستجابة للنمو في الطلب على الخدمات التعليمية في الإمارة، فإن السوق التعليمي في الإمارة يبدو أنه ما زال في حاجة إلى المزيد من المدارس الجديدة بسبب الطلب الكبير، ففي تحقيق أخير نشرته جريدة «الاتحاد» الإماراتية، أشارت عينة من أولياء أمور الطلاب في أبوظبي إلى عدد من الملامح الدالة على ذلك، من بينها أنهم يواجهون معاناة متجددة في البحث عن مقعد مدرسي لأبنائهم في خضم الاستعداد لكل عام دراسي جديد، وعبروا أيضاً عن قلقهم من أن تنعكس زيادة متوسط أعداد الطلاب في الفصول الدراسية على قدرة أبنائهم على التحصيل الدراسي. الزيادة الكبيرة في الطلب على الخدمات التعليمية في أبوظبي، يمكن تفسيرها في ظل النمو السكاني الكبير، الذي يحدث بدوره استجابة للازدهار الاقتصادي والتنموي الواسع الذي تمر به الإمارة بشكل خاص، ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، الذي يجتذب إليها أعداد متزايدة من الباحثين عن فرص وظيفية واعدة، كما أن هذا الأمر جعل منها وجهة مفضلة للباحثين عن فرص للعيش الكريم من مختلف أنحاء العالم، ويضفي هذا الأمر على الزيادة في الطلب على التعليم مضموناً إيجابياً، ويؤشر في الوقت ذاته إلى أن هناك حاجة إلى إنشاء مدارس جديدة تستوعب الزيادة في الطلب، إلى جانب فرض المزيد من المعايير الملزمة على المدارس لمنع أي تجاوز بشأن كثافة الفصول وبشأن الرسوم الدراسية أيضاً، بما يتوافق مع سياسة الدولة في تطوير التعليم. تقوم سياسة تطوير التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة على محورين رئيسيين: أولهما، التطوير الكمي، عبر إتاحة التعليم لجميع فئات المجتمع بمواطنيه ووافديه، وأن يكون القطاع قادراً على تلبية الطلب المتزايد على خدماته. ثانيهما، التطوير الكيفي، الذي يقصد به تطوير محتوى المناهج الدراسية وطرق التدريس والأدوات والوسائط التعليمية المستخدمة، وتطوير الموارد التعليمية، بما فيها من موارد مادية كالأبنية والتجهيزات وموارد بشرية كالمعلمين والإداريين. كل ذلك من أجل بناء منظومة تعليمية متطورة من حيث الكم والكيف، تركز على إكساب الطلاب مهارات الإبداع الفكري والتفكير الخلاق، انطلاقاً من أن التعليم الجيد هو الذي يسمح بإعداد أجيال مفكرة ومبدعة ترتبط بقضايا المجتمع وتعي أولوياته وأهدافه، وتكون قادرة على استشراف آفاق المستقبل والتفاعل مع التحولات الاقتصادية والثقافية المتسارعة التي تشهدها الدولة، كجزء من التحولات الشاملة التي يشهدها العالم.