بعد هدوء نسبي في النشاط، بدأت الأحداث تتسارع في أوكرانيا منذ نهاية الأسبوع الماضي، إذ سيطر متظاهرون مؤيدون لروسيا على مبنى حكومي في مدينة «دونيتسك» الشرقية، زاعمين إعلان استقلالها كـ«جمهورية»، متعهدين بإجراء استفتاء على سيادة المنطقة بحلول الحادي عشر من مايو، قبل أسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المزمع إجراؤها في 25 مايو. وتشير تقارير إلى أن بعض المتظاهرين طالبوا روسيا بإرسال قوات لحمايتهم. وبدورها أكدت الحكومة الروسية أنه ليس لديها أية نية للتدخل في الأراضي الأوكرانية، ولكنها احتفظت أيضاً بالحق في حماية الأقليات الروسية ممن يعيشون هناك. ومن جانبه، اتهم الرئيس الأوكراني المؤقت «أولكساندر تورشينوف»، روسيا بـ «تكرار سيناريو القرم»: حيث يسيطر نشطاء على السلطة، ويجرون استفتاء على الاستقلال، ومن ثم تتحرك القوات الروسية لحمايتهم، وبعد ذلك يتم ضم الأراضي وفق تدابير مثيرة للجدل. وبالطبع، تختلف منطقة شرق أوكرانيا تماماً عن شبه جزيرة القرم، فمساحتها أكبر، كما أنها لم تتمتع تاريخياً بحكم ذاتي، ولا يهيمن الروس على تركيبتها السكانية أيضاً. وعلاوة على ذلك، لا يزال أمام كييف وحلفائها الغربيين مزيد من الوقت للاستعداد أكثر من ذلك الذي كان أمامهم في مواكبة تسارع أحداث منطقة شبه جزيرة القرم، التي وقعت مباشرة في أعقاب الإطاحة بالحكومة الأوكرانية. وفي مارس، حشدت أوكرانيا عشرات الآلاف من قوات الاحتياط، وخصصت 600 مليون دولار لشراء أسلحة، ولا يعني ذلك أن كييف باتت متأهبة لخوض غمار حرب ضد روسيا، ولاسيما أن تقديرات الدولة نفسها تشير إلى أن هناك ستة آلاف جندي فقط من قواتها البرية البالغ قوامها 41 ألفاً جاهزة للقتال، كما أن نحو 70 في المئة من معداتها وآلياتها المصفحة أصبحت قديمة وبالية ومتهالكة. وعلى رغم ذلك، تشي تصريحات «تورشينوف» أيضاً بأن أوكرانيا ستكون راغبة في المواجهة، هذه المرة، في حال حدوث غزو روسي لأراضيها. وعليه، فلن يكون مثل هذا الغزو بلا سفك دماء كما حدث في شبه جزيرة القرم. ومثلما يرى المحلل العسكري «بافيل فيلجنهاور» قبل أسابيع، فلن يكون أمام الكرملين أيضاً سوى فرصة محدودة إذا كان يرغب في فعل ذلك، وسيرغب على الأرجح في القيام بغزو قبل أن تسفر انتخابات 25 مايو عن حكومة أوكرانية أكثر استقراراً وشرعية، وقبل انقضاء دورة المجندين الإلزاميين في الجيش الروسي حسب الجدول الزمني المحدد في السابق. وفي ضوء مراقبة المجتمع الدولي لهذا الوضع وتوجسه وما يصدر عنه من مواقف معلنة ومؤشرات مسجلة، فليس من المبالغة في شيء أن يتخيل المرء أيضاً أن الداعمين الدوليين لأوكرانيا سيكون في جعبتهم هم أيضاً رد ما أكثر فاعلية يخططون له، وعلى ما يبدو لن يمر مثل هذا الغزو مرور الكرام مثل القرم، عندما بدت الحكومات الغربية عاجزة عن الحركة أو إبداء رد فعل مؤثر. وربما أيضاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتخذ هو أيضاً قراراً بعد بشأن الخطط المزمع تنفيذها في شرق أوكرانيا، ولكن أيّا كان ما سيقرره، فسرعان ما سيتضح للعيان، وسيبدو للجميع أن الوضع مختلف هذه المرة عن شبه جزيرة القرم. جوشوا كيتنج كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»