13 أبريل 1975 ذكرى انطلاق الحرب الأهلية اللبنانية. 13 أبريل2014 تسعة وثلاثون عاماً مضت، فهل تعلّم اللبنانيون؟ هل عالجوا أسباب الحرب لمنع تكرارها؟ هل بنوا دولة؟ تُكتب مؤلفات حول أسباب الحرب ونتائجها والمراحل التي مرّ بها لبنان منذ ذلك الوقت، لكنني أكتفي اليوم باستعراض عدد من الأمور للوقوف على مسؤولياتنا الوطنية اللبنانية ودورنا وجدارتنا في تحمّل هذه المسؤوليات وإدارة شؤوننا. بدأت الحرب في ظل مناخ داخلي منقسم حول الهوية وتركيبة النظام. خطر الوجود الفلسطيني واستباحة الأرض والسيادة اللبنانية ورفض تحرير فلسطين من لبنان، وبالتالي الدعوة إلى مواجهته حتى ولو اضطر الأمر إلى التحالف مع إسرائيل في مرحلة معينة من قبل فريق لبناني. ودفاع عن القضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في المقاومة من كل الجهات، وتشريع سلاحه تحت عناوين مختلفة، من اتفاق القاهرة وإلى إعلان الدولة عجزها عن حماية المخيمات من الغارات الإسرائيلية وتقصيرها في تأمين مقومات صمود اللبنانيين وبالتحديد الجنوبيين في أرضهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية منذ 1948، من قبل فريق آخر حمّل القضية المحقة أكثر ممــــا يحتمل لبنان. كان السلاح الفلسطيني المشكلة، وكان انقسام حول طبيعة النظام السياسي. فريق يرفض الإصلاح والتطوير، وفريق ينادي بالتغيير وقيام دولة ديمقراطية عادلة، ثم كان السلاح السوري – الوجود السوري – الدور السوري – العلاقة مع سوريا. وإدارة سوريا للشأن اللبناني على مدى سنوات بعد تسويات دولية إقليمية كلفت لبنان غالياً، لإخراج الفلسطيني وسلاحه من لبنان دفعنا ثمناً هائلاً . وصلت إسرائيل إلى بيروت. دمّرت كل شيء، والذين اعتبروا أنهم انتصروا دفعوا الثمن الأكبر من رجالهم! ولإخراج السلاح السوري دفع لبنان ثمناً كبيراً جداً، أغلى وأكبر الرجال والطاقات والإمكانات السياسية والفكرية والعلمية والإعلامية والأمنية.. وبقي الانقسام. رغم ذلك، انتصرنا على إسرائيل، حرّرنا الأرض عام 2000، وانتصرنا عام 2006 في أهم إنجاز في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. لكننا لم ننتصر على ذواتنا، ولم تنتصر وطنيتنا وحكمتنا في تثمير الانتصار، كان انقسام خلال مرحلة الانتصار وتكرسّ أكثر بعده. وغرقنا في الزواريب والخلافات الضيقة، كان علينا تثمير الانتصار بالوحدة الوطنية، بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها والانطلاق في مرحلة جديدة. ما جرى هو تدمير الانتصار! كنا في حال من الطائفية بدأنا معالجة بعض جوانبها من خلال مصالحات وإعادة صهر الشباب في الجيش والمؤسسات الوطنية. تعثرت المسيرة في محطات كثيرة، لكننا وصلنا اليوم إلى حال من المذهبية الخطيرة جداً، والتي تكاد تدمّر كل شيء، والفتنة تنتقل نارها من مكان إلى آخر والمعالجات ليست راسخة ومطمئنة، حتى الآن لا نزال مختلفين. واليوم بعد السلاح الفلسطيني والسوري والإسرائيلي ندخل في صراع كبير حول السلاح الآخر، سلاح المقاومة. السلاح الشيعي كما يقول البعض والذي انغمس في سوريا، هذا الانغماس والتدخلات الأخرى التي سبقته، واستمرت معه ترك ويترك آثاراً خطيرة على لبنان. لكن الفارق الأساس الذي ينبغي الوقوف عنده هو أننا قبل عام 1975 كان المناخ الدولي مناخ استغلال واستثمار لساحة لبنان. كنا نعرف أن الحرب مقبلة، حاولنا من جهتنا تأخيرها أو تجنّبها، لكن اللعبة كانت أكبر من الجميع. واليوم منذ بدء الأحداث في سوريا، أصبح المناخ الدولي مختلفاً، وليس ثمة من يريد تفجيراً في لبنان، هذه كانت فرصة لنا، على الأقل، ومن دون ادعاء ومكابرة ، لمحاولة حماية لبنان من تداعيات خطيرة . ستكون مشاكل ولكن لا حرب فلنستفد إلى الحد الأقصى. ما فعلناه هو العكس، لم تدر المسألة بعقل الدولة والمسؤولية الوطنية التي تحمي لبنان من الفتنة، زادت الأحقاد والتحديات، وبتنا نعيش خطر الفوضى الذي هو أكبر من خطر الحرب. للحرب قواعدها وحساباتها ومرجعياتها وضوابطها. اليوم، الفوضى لا قواعد ولا ضوابط لها. تفجيرات، وانتحاريون، وصواريخ تسقط على رؤوس الناس ووضع سياسي متشنّج وسرقات، وخطف على الطلب. وقتل لحسابات مختلفة. وتطرّف وفتاوى وقرارات فوق قدرة الناس وطاقاتهم على التحمّل في مواقع كثيرة، قلق كبير يخيّم على البلد، والانقسام يتعمق ولامحاولة جدية ولا حوار للخروج من الأزمة، كانت خطوة تشكيل الحكومة بارقة أمل، لكن المشاكل لا تزال مكانها والهوة كبيرة بين القوى السياسية، وقضية هذا السلاح وهذا التدخل في سوريا أكبر من قدرة اللبنانيين مجتمعين، فكيف إذا كانوا منقسمين؟ ومن نتائج الأزمة السورية أمران خطيران ثقيلان على لبنان، ولا نتعاطى معهما بعقل الدولة، ومــــن الأساس لم نفعل ذلك. واليوم ندفع ثمن خلافاتنا وسوء تقديرنا وسوء تدبيرنا. أكثر من مليون نازح سوري في لبنان، لبنان يئن يتعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ومالياً وأمنياً. هذه نتيجة موضوعية، واقتصادنا ضعيف، حيث لامداخيل ولاسياحة ولا إنتاج ولا دعم والبلد متروك، وفوق ذلك عليه أن يتحمل هذا العدد من الناس، الواجب الأخلاقي قضى بالمساعدة، ولكن سوء الإدارة والفوضى وتقصير العالم والتخلي عن لبنان أدى وسيؤدي إلى كوارث، عدد اللبنانيين العاطلين عن العمل زاد، وهناك أزمة في اليد العاملة والمياه والكهرباء والمستشفيات كل هذا يشكل عبئاً كبيراً. أما الأمر الثاني، فهو أننا بدأنا الحرب في لبنان تحت شعار توطين الفلسطينيين، اليوم بدأنا نسمع التحذيرات من خطر توطين السوريين، ولم نتعلم شيئاً، ولا نتعاطى مع هذا الأمر إلا من باب المزايدات وردات الفعل، هذه هموم واحدة وطنية ثقيلة علينا جميعاً. أما الهموم الأخرى الواحدة فتدل عليها الاعتصامات والتحركات الشعبية والمواقف السياسية والشعبية والنقابية المختلفة. كل لبنان يعاني أزمة كهرباء وكلفتها هائلة عليهم ولا كهرباء رغم أن ثلث الدين العام أنفق على الكهرباء ولدينا مشكلة مياه، وغلاء وبطالة، وشعور بالقلق والخوف، والأقساط المدرسية، مطالب الأساتذة والمعلمين والدفاع المدني والمستأجرين والمالكين القدامى، سلسلة الرتب والرواتب. مشكلة الفساد على مدى سنوات ضجّت البلاد بأخبار الفساد ورموزه. وكتبت كتب ، ورُدّ عليها بكتب أخرى، وكانت مظاهرات وتحركات، وماذا جرى؟ لأن الحسابات ليست مصالح الناس، بل السياسة وشهوة السلطة ومصالح الطامعين إليها والمتمسكين بها من مواقع الفرز الطائفي والمذهبي الذي تحرّكه العصبيات. فإننا في مراحل تصادم القوى المؤثرة لا يستطيع أحد محاسبة أحد . لأن لا أحد يرتكب إلا ويشعر بالحماية خصوصاً في ظل هذا القرار. ولكل فريق أدواته داخل السلطة ومؤسساتها وفي الإعلام والنقابات والشارع. وإذا كنا في مراحل تفاهم بين هذه القوى، فإننا لا نصل إلى نتيجة لأن كل الملفات تطوى، وهذا ما نعيشه اليوم. لا أحد يتحدث عن كل ما كتب في كتبه، بلع كثيرون كلماتهم، وذهبوا إلى الحسابات السياسية، ونحن على أبواب انتخابات رئاسية ونيابية. إن هموم اللبنانيين واحدة، ليس ثمة همّ على كتف مواطن لبناني لا نراه على كتف آخر في كل المذاهب والطوائف والأحزاب، لكن للأسف الاهتمامات ليست واحدة ! حتى بخصوص لقمة العيش وكان ينقصنا هم الإرهاب الذي يرعب البلد ويستهدف الجميع. نحن أمام مشكلة سياسية خطيرة، ويبدو الأمل ضعيفاً في معالجتها، لأن فكرة الدولة ومنطق الدولة يغيب عن أذهان كثيرين. وبالتأكيد ثمة من لا يريد رجال دولة وطنيين، بل يريدون دولة رجال – أي أزلام –، كأننا لا نريد أن نتعلم من عبر الماضي لإدارة شؤوننا بأنفسنا. في الحرب كان الناس يتعايشون مع الواقع المرّ لكنهم يتوقون إلى الدولة، اليوم توقفت الحرب، لكن خطر الفتنة قائم، وخطر الفوضى أكبر، والدولة تراجعت هيبتها، ليس لنا إلا الدولة، فلنعمل على بناء وتطوير مؤسساتها وليخرج «الأقوياء» من دوائر قوة الوهم ووهم القوة ، ولبنان يزداد ضعفاً. ـ ـ ـ ـ ـ غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني السابق