ذهب الناخبون في أفغانستان للاقتراع الأسبوع الماضي في انتخابات تاريخية بينما تنتظر البلاد حالياً أن ترى تغييراً في القيادة التي استمرت لما يزيد على عقد من الزمان. وقد أجريت الانتخابات قبيل التغييرات الكبيرة التي تتوقع أفغانستان حدوثها حيث تتأهب القوات الغربية للرحيل، وتترك مهمة الحفاظ على الأمن للقوات الأفغانية. ولم يتمكن الرئيس الحالي «حامد كرزاي» من الترشح لولاية أخرى حيث يمنعه الدستور من ولاية ثالثة على الرغم من توقعات مفادها أنه سيظل قوة مهمة في أفغانستان. وكانت الحالة الأمنية مصدر قلق كبير خلال هذه الانتخابات بعد سلسلة من الهجمات الكبيرة التي وقعت في كابول قبل أيام من إجرائها. ولكن على الرغم من تهديد حركة «طالبان» بتعطيل الانتخابات، إلا أن عملية التصويت مرت بسلام في مدن مثل كابول العاصمة وقندهار في الجنوب وجلال آباد في الشرق ومزار شريف في الشمال. ورغم ذلك، فقد وقعت هجمات عديدة في الريف أسفرت عن مقتل العديد من الناخبين وأفراد الشرطة ومسؤولي الانتخابات. وتشير تقارير إلى أنه من بين 12 مليون أفغاني ممن لهم حق الانتخاب، ذهب أكثر من ستة ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم. السباق الرئاسي ضم ثمانية مرشحين يتنافسون للفوز بمنصب الرئيس الأفغاني القادم وقيادة البلاد خلال مرحلة صعبة ستحدد مستقبل أفغانستان. وكان من بين المتنافسين الرئيسيين وزير المالية السابق «أشرف غاني أحمد زاي» ووزير الخارجية السابق «عبد الله عبد الله» إلى جانب أحد المقربين من الراحل «أحمد شاه مسعود،» زعيم التحالف الشمالي الذي اغتاله تنظيم القاعدة عام 2001. ووفقا للدستور، يتعين أن يحصل المرشح الفائز على 50 بالمائة على الأقل من الأصوات وإلا يتم إجراء جولة ثانية بين المرشحيْن اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات. وفي هذه المرحلة، من المشكوك فيه أن يحصل أي من المرشحين على 50 بالمائة من الأصوات، حيث إنه من غير المتوقع أن يقترب أي مرشح من هذا الرقم. ومن غير المنتظر أن تظهر النتائج النهاية للانتخابات قريباً. أما الجولة الثانية من التصويت، فستجرى في شهر مايو أو أوائل يونيو على الأرجح. يحمل «أشرف غاني» درجة الدكتوراه، كما قام بالتدريس في جامعتي «كولومبيا» و«جون هوبكنر»، كما شغل أيضاً منصب كبير المسؤولين التنفيذيين في البنك الدولي. وعاد «غاني» إلى أفغانستان عام 2001، كمستشار لـ «الأخضر الإبراهيمي» المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان. وفي مرحلة لاحقة، تولي «غاني» منصب وزير المالية في حكومة «كرزاي» ثم رئيس جامعة كابول، وينتمي «غاني» لـ«البشتون» التي تعد أكبر جماعة عرقية في أفغانستان، والتي عادة ما كان يخرج منها حُكام البلاد بدءاً من العائلة الملكية، ومرورا بـ «الملا عمر» وحتى «حامد كرزاي»، كما رشح «غاني» لتولي منصب نائب الرئيس أمير الحرب السابق «عبد الرشيد دوستم» وهو من العرقية الأوزبكية، ورئيس «الحركة الوطنية الإسلامية» في أفغانستان. أما الدكتور «عبد الله عبد الله» فهو أيضاً من عرقية البشتون من جانب والده، ولكن أمه طاجكية. وهو يحظى برصيد كبير من الأصوات بين الطاجيك بسبب ارتباطه الوثيق مع أحمد شاه مسعود الذي يعتبره كثير من الأفغان شخصيةً أسطورية. وخلال فترة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، كان عبد الله لاجئاً في أفغانستان. كما عمل كحارس لوزارة الشؤون الخارجية للحكومة الأفغانية في المنفى. وعقب انهيار حكم «طالبان»، تم اختياره ليشغل منصب وزير الخارجية خلال الفترة من 1991 – 2006. وقد رشح «محمد خان» نائب رئيس «حزب الإسلام» بأفغانستان ، وهو عرقية من بشتون لتولي منصب نائب الرئيس. ومن بين أول وأهم القرارات التي يجب على الرئيس الأفغاني الجديد اتخاذها هو توقيع الاتفاقية الأمنية التي ستحدد عدد القوات التي سيتركها الغرب في البلاد بعد عام 2014. وقد أخر الرئيس كرزاي توقيع هذه الاتفاقية قائلًا إنه يريد أن يصدق خليفته على الاتفاق عقب إجراء الانتخابات الرئاسية. ويشمل الاتفاق عدة جوانب، منها موافقة الولايات المتحدة على تدريب وتنمية القوات الأفغانية وأن تشرف واشنطن على تشكيل قوة لمكافحة الإرهاب لقتال فلول تنظيم «القاعدة» وفروعه. وقد أعلن جميع مرشحي الرئاسة دعمهم لاتفاقية الأمن الثنائية مع الولايات المتحدة، وتعهدوا بتوقيعها حال انتخابهم. ويرجع ذلك إلى الشكوك الكبيرة التي تدور بشأن قدرة القوات الأفغانية على حماية أمن البلاد. ومن المعروف تماماً أن «طالبان» لها تأثير كبير على ما يحدث في أفغانستان. ولم تنجح أي محاولات حتى الآن لاحتواء الحركة. وقد بدأت المحادثات بين الولايات المتحدة و«طالبان» في شهر يناير 2012، لكن الحركة تركت مائدة المفاوضات فيما بعد قائلة إن الولايات المتحدة فشلت في تلبية شروط محادثات السلام. وقد كانت واشنطن تدفع باكستان لاستخدام نفوذها للدخول في مفاوضات. غير أن باكستان لم تبد حتى الآن أي حماس للوساطة. ليس هناك شك في أن الكثير من الأمور تتوقف على نتائج الانتخابات التي ستساعد على تشكيل مستقبل الدولة. وقد انتقد الدكتور عبد الله عبد الله، خلال المناظرة التي سبقت إجراء الانتخابات، باكستان محملها مسؤولية التمرد في أفغانستان، قائلًا إن ذلك يرجع للملاذ الآمن الذي تمنحه لـ«طالبان» الأفغانية على أراضيها، خاصة شبكة «حقاني»، التي تحظى بتأييد في منطقة «وزيرستان» الشمالية القبلية في باكستان. أما «أشرف غاني» على الجانب الآخر، فقد عرف «طالبان» تحت ثلاث فئات: «الأيديولوجية» و«التمويل الخارجي» و«أولئك الذين حملوا السلاح للخروج من الفقر والفساد». وهو يرى أن باكستان وأفغانستان بإمكانهما حل قضاياهما استناداً إلى «النموذج الفرنسي- الألماني» زاعماً أن الحكومة المنتخبة في باكستان لديها فهم للوضع وتحترم سيادة أفغانستان.