تركز حسابات التنمية الاقتصادية في دول كثيرة على قياس الأداء الاقتصادي والنمو، من خلال وصف العمليات الرئيسية للنشاط الاقتصادي، ومحاولة التعرف على مجمل التغيرات الاقتصادية، والعوامل المؤثرة في التطور الاقتصادي مستقبلًا، دون اهتمام بما قد يصحب ذلك النمو من آثار بيئية وتكاليف اجتماعية، كاستنزاف الموارد الطبيعية، والتلوث البيئي. ولا تأخذ الحسابات القومية التقليدية هذه الآثار في الحسبان عند قياس النمو الاقتصادي، لذلك برزت الحاجة إلى إعداد «الحسابات القومية الخضراء» التي تأخذ في الاعتبار أثر المتغيرات البيئية عند قياس النشاط الاقتصادي. وهذا ما يوضحه باستفاضة وتحليل عميقين الكتاب الذي نعرضه هنا، وهو «إعداد الحسابات القومية الخضراء في دولة الإمارات العربية المتحدة.. نحو تحقيق التنمية المستدامة»، لمؤلفه الدكتور عبدالحميد رضوان عبدالحميد، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وكما يوضح المؤلف في مستهل كتابه، فإن الحسابات القومية الخضراء هي نتاج التفاعل بين البيئة والاقتصاد، بهدف إرساء مبادئ التنمية المستدامة، إذ أن الحسابات البيئية الاقتصادية هي توسيع لحدود الأصول في الحسابات القومية التقليدية لتحقيق التنمية المستدامة. والمسألة الجوهرية في تطوير الحسابات القومية الخضراء هي تحديد العوامل التي ينبغي أن يتم بها تصحيح الناتج المحلي الإجمالي. وتشمل هذه العوامل الأضرار البيئية ونضوب الموارد. ورغم أهمية قياس الحسابات القومية الخضراء، فإنها تواجه العديد من الصعوبات التي تحدّ من تنفيذها على المستوى الدولي، نتيجة اختلاف الاهتمامات البيئية بين دولة وأخرى، والقصور في الإحصاءات البيئية. ويضاف إلى ذلك أن قياس الأضرار البيئية مازال مثاراً لجدل واسع. وقد بُذِلت جهود عديدة لتذليل تلك الصعوبات، خاصة من خلال بعض المنظمات الدولية المعنية، كاللجنة الإحصائية في الأمم المتحدة، حيث تم بناء نظام للحسابات الاقتصادية والبيئية المتكاملة، في محاولة لقياس الحسابات القومية الخضراء، مع مرونة في التطبيق وفق الأولويات البيئية لكل دولة. ويعد هذا الكتاب محاولة أخرى في السياق ذاته، كونه يسعى إلى قياس الحسابات القومية الخضراء، لتحديد الآليات التي تمد متخذ القرار بأهم السلبيات والإيجابيات في مسار التنمية الراهن، وما ينبغي التركيز عليه في التخطيط المستقبلي لتحقيق مسار قوي للتنمية المستدامة. لذلك قام المؤلف ببناء هيكل كتابه في خمسة فصول، عرض في أولها أساسيات العلاقة بين البيئة والنمو الاقتصادي، ووضح في الثاني ماهية الحسابات القومية الخضراء وعلاقتها بالتنمية المستدامة. وأتبع ذلك بثلاثة فصول خصصها للحالة الإماراتية، بداية من الفصل الثالث الذي تناول فيه نظام الحسابات القومية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونظرة تقييمية له، ثم الفصل الرابع الذي قدم محاولة أولية لإعداد الحسابات القومية الخضراء وفق النموذج الدولي. فيما اهتم الفصل الخامس والأخير بعرض مسارات بديلة للتنمية المستدامة والسياسات المستقبلية في الإمارات، على ضوء النتائج التي توصل إليها في الفصل الرابع. وفيما يتعلق بنظام الحسابات القومية المطبق في دولة الإمارات يوضح المؤلف أن تنويع مصادر الدخل كان ومازال أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للدولة، وأن ثمة مؤشرات عديدة لقياس ذلك الهدف، خاصة مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي. هذا، وتستند الحسابات القومية التقليدية في دولة الإمارات إلى نظام الحسابات القومية الصادر عن اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة عام 1968، مع السعي لتطبيق نظام عام 1993، بعد أن خضع النظام المطبق حالياً لتقييمات عدة من جانب القائمين عليه. ومما يمهد لذلك، يقول المؤلف، صدور القانون الاتحادي رقم (9) لسنة 2009 بشأن إنشاء المركز الوطني للإحصاء الذي يوفر الإطار القانوني للعمل الإحصائي في الدولة. وإلى ذلك، يحاول الكتاب إعداد نظام الحسابات القومية الخضراء لدولة الإمارات في إطار تجريبي، مُستخرِجاً الخلاصات المعدلة بيئياً، في شكل حسابات تابعة للحسابات القومية، بالارتكاز إلى نظام الأمم المتحدة للحسابات الاقتصادية والبيئية المتكاملة. وقد استفاد في هذه المحاولة من المرونة التي تم بها تصميم النظام دون الإضرار بشموليته واتساقه، سعياً لتكييف الحسابات وفقاً للاهتمامات والأوليات البيئية والقدرات الإحصائية للدولة. إن أكبر تحدٍّ يواجه الدول النفطية في المسيرة التنموية، كما يقول الكتاب، يتعلق بتأمين مستويات دخل ورفاهية عالية في حقبة ما بعد النفط. وللتعامل مع هذا التحدي ينبغي تحقيق متطلبات الإصلاح الاقتصادي بمفهومه الشامل، ليتضمن تصميم وتنفيذ استراتيجيات وسياسات لتنويع الهياكل الإنتاجية، وتأهيل القوى البشرية، ودعم برامج الخصخصة، وتحفيز مساهمة القطاع الخاص، واستدامة التنمية، وإجراء مراجعة شاملة لمفهوم الرفاه. وإلى ذلك، فإن التنوع الاقتصادي في إطار اقتصادات الدول النفطية، يُعنى أساساً بتنمية القطاعات غير النفطية، والحد من نسبة مساهمة الإيرادات والعائدات النفطية إلى الإيرادات العامة، سعياً لإيجاد اقتصاد حديث تتوافر له أسباب البقاء، ويحافظ على مستوى دخل مرتفع بعد نهاية عصر النفط. وتحويل الموارد المحدودة غير المتجددة من الغاز والنفط إلى تحقيق التنمية المستدامة. ويستلزم ذلك التحول من الاعتماد على الثروة الناضبة إلى تنمية بشرية تقيم المجتمع المنتِج من خلال تطوير واسع لأنماط الإنتاج والتوظيف والاستهلاك. محمد ولد المنى ------- الكتاب: «إعداد الحسابات القومية الخضراء في دولة الإمارات العربية المتحدة» المؤلف: عبدالحميد رضوان عبدالحميد الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014