في أميركا، خر الإمام لقمان صريعاً على الفور بعد أن أطلق عليه النار أربعة من عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي من بنادقهم الأوتوماتيكية من على بعد أمتار؛ هذا بينما طوق ستون ضابطاً آخرين المبنى في ذلك الصباح من أحد أيام أكتوبر في عملية مداهمة جاءت تتويجاً لتحقيق سري دام عامين واخترق مسجد الإمام في ديترويت. ثم أعلن المكتب أن لقمان عبدالله كان «زعيم مجموعة إرهابية داخلية». والحال أنه رفض المساعدة «على القيام بشيء» عنيف، مثلما يوثق ذلك شريط تسجيلي، وذلك لأنه قد يؤذي أشخاصاً أبرياء. وفي بريطانيا، اعتقد جميل سكوت أنه يمارس حقوقه عندما قام بتحدي محاضرة مسؤول إسرائيلي بجامعة مانشيستر؛ لكن مشاركة المراهق في الاحتجاج مع زملاء اشتراكيين حوّله إلى هدف لمراقبة الشرطة على مدى العامين التاليين. فقد زار عملاء محاربة الإرهاب والديه وأقاربه ومدرسته؛ وطلبوا منه أن يخبرهم بأسماء نشطاء؛ وأمروه بعدم المشاركة في مظاهرات. كما اتصلوا بوالدته وطلبوا منها أن تنتقل مع عائلتها للعيش في حي آخر. ورغم أنه لا يعرّف نفسه كمسلم، إلا أن جميل أضحى وجها آخر للإرهابي المحلي المفترض. الجبهة الجديدة للحرب على الإرهاب هي «العدو الداخلي»: إرهابيون، أو مشتبه في صلتهم بالإرهاب، محليون، أصبحوا هدفاً لأجهزة محاربة الإرهاب وعمليات المراقبة في الولايات المتحدة وعبر أوروبا حيث تم تكثيف عمليات المراقبة الداخلية وتوسيعها. ففي أميركا، تم وضع نحو 100 ألف مسلم تحت المجهر بشكل سري، بينما وضعت الشرطة البريطانية قائمة سرية بأسماء مشتبه فيهم تضمنت أكثر من 8 آلاف «متعاطف» مع «القاعدة»؛ وشملت قائمة أخرى قرابة 300 طفل تبلغ أعمارهم خمس عشرة سنة أو أقل من بين المتطرفين المحتملين. في كتاب «المسلمون قادمون»، ينتقد آرون كندناني سياسات محاربة الإرهاب الغربية، مجادلا بأن الحرب التي يخوضها الغرب ضد الإرهاب في بلدانه مبنية على الخيال إلى حد كبير، حيث كتب يقول: «إن الغرب يخصص عشرات المليارات من الدولارات كل سنة لمحاربة تهديد إرهابي داخلي هو إلى حد كبير متخيل». ويُعتبر كتابه ثمرة سنوات من البحث والتقصي، وفيه يتبنى المقولة الشهيرة التي تقول بأن المسلمين حلوا محل الشيوعيين باعتبارهم بؤرة الاهتمام الجديدة لصناع السياسات الغربيين. ويلفت كندناني في معرض تفكيكه للاستراتيجيات الحكومية الموجهة لمحاربة الإرهاب، إلى الموارد المبالغ فيها التي ترصدها الحكومات الغربية لمراقبة هذا «العدو الداخلي»، ويشير إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه عميل متخصص في محاربة الإرهاب لكل 94 مسلم في الولايات المتحدة، وهو ما يقارب معدلات جواسيس «الستاسي» (الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية سابقاً). كما تضاعف حجم جهاز المخابرات الداخلية البريطاني «إم آي 5» في ظرف خمس سنوات فقط. نقطة الانطلاق في كتاب كندناني هي أن «الإرهاب ليس نتيجة لسياسة متشددة وإنما هو مؤشر على عجز سياسي»، وعليه فالعلاج قد يبدو بديهياً: «جالية مسلمة قوية ونشطة وواثقة في نفسها، وتتمتع بحقوقها الوطنية كاملة». والحال أن السياسات على جانبي الأطلسي انتهت إلى تجريم الرأي المسلم وتكريس الانقسام الاجتماعي، وكلها نتائج قد تزيد من احتمالات حدوث العنف السياسي وليس العكس. ويرى كندناني أن المقاربتين الأمنيتين الطاغيتين تجاه المواطنين المسلمين، «الثقافوية» و«الإصلاحية»، تركزان على الأيديولوجيا بدلا من التظلمات الاجتماعية والسياسية. وأشهر المؤيدين للثقافوية هو برنارد لويس، المؤرخ المفضل لدى المحافظين الجدد، الذي يرى أن المشكلة تكمن في الإسلام نفسه باعتباره «ثقافة شمولية لا تنسجم مع الحداثة الديمقراطية»، على حد زعمه. وهكذا، أضحى المسلمون «عدواً مثالياً»، حسب المؤلف، حيث ينظر إليهم من قبل التيار الغالب في المجتمعين الأميركي والبريطاني باعتبارهم غير قادرين على الاندماج بسبب عيب متأصل في ثقافتهم، وهو عدم القدرة على فصل الدين عن الدولة! أما «الإصلاحية»، فتعرِّف المشكلة باعتبارها «تحريفاً لرسالة الإسلام»، أي تحويلاً لما هو في الواقع دين سلام إلى «أيديولوجيا سياسية شمولية معادية للحداثة». والحال أن معظم المسلمين يجنحون للسلم وينبذون العنف ويندمجون في المجتمعات التي يعيشون فيها. ويُعتبر آرون كندناني واحداً من خيرة الكتاب السياسيين في بريطانيا، وهو يرى أنه إذا كان تيار المحافظين الجدد قد اخترع الحرب على الإرهاب، فإن ليبرالية أوباما قامت بتطبيعها؛ و«في هذه المرحلة توقف الصحافيون عن طرح الأسئلة». محمد وقيف ------ الكتاب: المسلمون قادمون.. الخوف من الإسلام، والتطرف، والحرب الداخلية على الإرهاب المؤلف: آرون كندناني الناشر: فيرسو بوكس تاريخ النشر: 2014