تم تسريب دراسة أميركية وضعها 120 خبيراً استراتيجياً معظمهم من الأميركان بوزارة الدفاع الأميركية، وتضمنت الدراسة سيناريوهات محددة تهدف إلى تفتيت المنطقة العربية – ومنها دول مجلس التعاون الخليجي – اعتماداً على تفتيت الجيوش الكبيرة في المنطقة، ومنها الجيش الإيراني والجيش السوري والجيش المصري والجيش السعودي والجيش الباكستاني، مع أن الجيش السوري قد خرج من القائمة بعد أن تفتت دون جهد، وفقد نحو70% من قوته بسبب الأحداث الدائرة في سوريا منذ ثلاث سنوات. أما الجيش المصري – فترى الدراسة – أن تفتيته سوف يتم عبر إدخاله في مواجهات مع الشعب المصري، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من 10 شهور حتى يتحقق التفتيت! ونحن لا نعتقد ذلك. وتذهب الدراسة إلى أن إيران – التي اعتبرها التقرير حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة – فإنها ستدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيش السعودي، بدعم من (حرب الشوارع) التي ستنطلق ضده من اليمن والبحرين والمنطقة الشرقية، والهدف هو إضعاف وتفتيت الجيشين الإيراني والسعودي للوصول إلى هدف الدراسة. ونوهت الدراسة بأن تفتيت الجيوش سوف يُفضي إلى تفتيت البلدان الكبيرة إلى ولايات صغيرة يكون الانقسام الأيديولوجي والفكري أساسها، خصوصاً في العراق وسوريا ومصر والسودان والسعودية. وأخطر ما جاء في الدراسة المُسربة أن شخصيات سياسية وعسكرية ورجال أعمال و (لوبيات) موثوق بها من قبل شعوبها داخل منطقة الخليج ومصر وسوريا تحديداً، تقوم بمساعدتها بطرق مباشرة وغير مباشرة لتحقيق الهدف. كما تركز الدراسة على عدم تدخل الأطراف الأوروبية وأميركا بشؤون المنطقة العربية بشكل مباشر إلى عام 2015 ، الذي سيكون « ساعة الصفر» للانطلاق بالمشروع . بصراحة نحن العرب لا نعرف كيف نقرأ الأفكار الأميركية، فما بالكم بالدراسات السرية المتخصصة، كما أن أمر «تفتيت» المنطقة لا يمكن أن يتم على الطريقة (الرامبوية) العسكرية، دون أخذ رأي الشعوب في أي تغيّر، لأن ذلك يخالف المبادئ «الجيفرسونية»، التي تستند إليها الديموقراطية الأميركية، ثم ما هو موقف الكونجرس الأميركي ومجلس الشيوخ مما تخطط له الولايات المتحدة؟ ونطرح هذا التساؤل خصوصاً إذا أشرنا إلى تراجع أوباما وعودته إلى هاتين المؤسستين عندما «تحفّزَ» للتدخل العسكري في سوريا، حيث تم ردعه، وتغيرت نبراته وأفعاله بالتوجه نحو الحوار والحل السلمي. هل هذه التسربيات «بالونات» اختبار لرصد ردة الفعل الرسمية أو الشعبية في المنطقة العربية، أم أن هنالك «مؤامرة دولية» تقودها أطراف قوية تهدف إلى تغيّر وجه العالم (الجيوسياسي) على أساس عرقي ومذهبي وأيديولوجي، يتم تفسيره بأنه ضمن مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان؟ وهل يمكن لنا أن «نبلع» هذا الطُعم؟ وفي نفس وقت تسريب هذه الدراسة – إن كانت صحيحة – كان هنالك لقاء لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز مع مسؤولين أميركيين، قبل أسبوع من زيارة الرئيس الأميركي للرياض، حيث شدد وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل خلال مباحثاته مع المسؤول السعودي على «قوة ومتانة العلاقة بين البلدين في مجال الدفاع، والتزام واشنطن تجاه أمن منطقة الخليج، بما في ذلك أمن المملكة تحديداً! كما صرحت مستشارة الأمن القومي الأميركي بأن أوباما سيُعرب خلال زيارته للمملكة- عن «التزامه بأمن الخليج». من جانبها قالت الناطقة باسم البنتاجون «تانيتا فيلدز»، إن وزير الدفاع الأميركي أكد للأمير سلمان بن سلطان قوة ومتانة العلاقة بين البلدين في مجال الدفاع، مع التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه أمن منطقة الخليج»، وأكدت أن زيارة أوباما للمملكة تأتي ضمن الشراكة التاريخية، وهي مهمة لكلا البلدين، وستكون الزيارة فرصة للرئيس للتأكيد على هذه العلاقة. ماذا نفهم من كل هذه التصريحات الأميركية وغيرها، والتي تُنشر تباعاً، تزامناً مع زيارة الرئيس الأميركي هذه للمملكة، أو أية زيارة يقوم بها رئيس أميركي لأية منطقة؟ كل تلك التصريحات تتناقض مع محاور الدراسة المذكورة، وبعيد كل البعد عن أهداف الدراسة! والتي تقضي بتفتيت المنطقة إلى دويلات إثنية وعرقية وأيديولوجية، حسب نوعية السكان وميولهم، كما أن تشطير الدول بهذه الطريقة «الهوليودية»، لا يمكن أن يستوعبه عقل عاقل! ذلك أن هذه الدول – التي أشارت إليها الدراسة كهدف للتفتيت – دول مستقلة وأعضاء في منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، ولدى العديد منها برلمانات مستقلة – وإنْ كنا نتحفظ على بعضها – وأيضاً شعوب لها الحق التاريخي في العيش في بلدانها ضمن الإطار الجغرافي المعمول به منذ مئات السنين، ولها الحق في الأرض التي تعيش عليها. وإذا أخذنا الدراسة على محمل الجد، فإن مناطق أخرى من العالم تحتاج إلى مثل هذا التفتيت، فعلى سبيل المثال: إلى كم دويلة يمكن تفتيت الهند، استناداً إلى الأقليات والديانات والعرقيات التي تسكنها؟ بل لماذا لا يتم التفكير أيضاً في تفتيت بلد مثل بريطانيا بإثنياته المتعددة أو أستراليا أو كندا؟ بصراحة، نحن نحتاج إلى قراءة جديدة لمضامين الدراسات «الاستراتيجية» الأميركية، بل وإنه على السياسيين والعسكريين في العالم العربي والإسلامي الرد على مثل تلك الدراسات! وهذا حق للشعوب عليهم، لأن خلق «بلبلة» واضطراباً داخل البلد الواحد يُشغل هذا البلد عن مواصلة برامج التنمية التي تعود بالخير على الشعوب ، وتجعله أسير «الهاجس الأمني» بحيث يُسخّر هل كل الإمكانيات المادية والبشرية والتشريعية – تحت مسميات كثيرة – ما يحرم الشعوب من ممارسة دورها في خدمة بلدانها، أو دفع عجلة التقدم والتنمية بصورة صحيحة . هل من فكرة جديدة ؟! مثلاً عقد ندوة مع خبراء أميركان لمناقشة مثل هذه الدراسات والتحقق من مدى جديتها، بحضور مسؤولين سياسيين وعسكريين وإعلاميين من دول مجلس التعاون، كي يتم سماع الرسالة بوضوح أكثر؟ من حق الشعوب أن تعرف إلى أين يسير القطار، وهل ستبقى الولايات المتحدة هي «السائق» وهي أيضاً «مفتش التذاكر» الذي يمرُّ على الركاب ويتحقق من تذاكرهم؟