حذرت لجنة علماء دولية، قبل بضعة أيام، من أن التغير المناخي أصبح يؤثر بالفعل على كل القارات والمحيطات، ويشكل خطراً فورياً ومتزايداً على الناس. وأكد خبراء الفريق التابع للأمم المتحدة أنه كلما تأخر المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، كان الضرر أكبر وأوسع نطاقاً. ويعتبر التقرير، الذي جمع ولخص آلاف الدراسات العلمية، من أكثر التقارير قسوة، لكنه يوضح المخاطر التي تواجه الطبيعة والمجتمع. وذكر التقرير، الذي شارك في إعداده مئات العلماء من 70 دولة، أن الاحتباس الحراري يهدد إمدادات الغذاء والمياه والأمن والنمو الاقتصادي. كما سيساعد على تفاقم الكثير من المشكلات القائمة، مثل الجوع والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات. وأشار «راجندرا باشوري» رئيس اللجنة، في مؤتمر صحفي في يوكوهاما باليابان، إلى أنه لا أحد على هذا الكوكب سيكون بمنأى عن آثار تغير المناخ. وذكر التقرير أنه مع ارتفاع حرارة الأرض يبدأ الثلج والجليد في الذوبان، بينما يزداد هطول الأمطار وتتكثف موجات الحرارة وتتعرض إمدادات المياه للضغط. وقال الفريق الأممي، إن تغير المناخ يعرض مختلف الأنواع النباتية والحيوانية للخطر، ويجبر العديد من الكائنات البحرية على الفرار مئات الأميال إلى المياه الأكثر برودة. وأوضح التقرير أن مياه المحيطات أصبحت أكثر حمضية، مما يؤثر على الحياة البحرية، ويهدد سكان المناطق الساحلية. وبنهاية القرن، قد يؤدي التغير المناخي إلى نزوح ملايين البشر، وخسارة تريليونات الدولارات نتيجة الأضرار التي تلحق بالاقتصاد العالمي. ومن أكثر الاستنتاجات الصادمة التي خلصت إليها اللجنة أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي بالفعل إلى كساد المحاصيل الزراعية، ومن بينها الذرة والقمح. وفي العقود القادمة، ربما لن يتمكن المزارعون من تلبية الطلب المتزايد لسكان العالم، كما يحذر التقرير. ورغم أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية ربما تستطيع التكيف مع ارتفاع أسعار الغذاء، فإن «ذلك قد يكون في الواقع مدمراً فيما يتعلق بزيادة سوء التغذية والجوع» في العالم النامي، كما قالت «ليندا ميرنز» العالمة بارزة في المركز الوطني الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي في «بولدر» بولاية «كولورادو». وبحسب تقديرات البنك الدولي، التي استشهد بها التقرير، فإن الكثير من العبء سيقع على أكثر الناس فقراً في العالم، ممن لم يساهموا كثيراً في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري. وأضاف البنك الدولي أن التعامل مع آثار هذه الظاهرة سيكلف الدول النامية حوالي 100 مليار دولار سنوياً. ومع أن الدول النامية تشهد أكبر الخسائر في الأرواح، فإن الدول الغنية ستمنى بخسائر مالية أكبر. فأميركا الشمالية، مثلاً، قد تتعرض لأضرار ناجمة عن حرائق الغابات والفيضانات والوفيات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة وتكاثف هطول الأمطار وارتفاع مستوى البحر. «إن الدول الغنية لن تكون في مأمن أكثر من الدول الفقيرة. وإذا نظرت إلى إعصار ساندي ستفهم ذلك»، وفقاً لما قاله «كريستوفر فيلد»، الرئيس المشارك للفريق الذي كتب التقرير وعالم الأرض في معهد «كارنيجي» للعلوم في ستانفورد. وكما ذكر العلماء، فإن النتائج التي خلصوا إليها عكست أدلة متزايدة مقارنة بالتقرير السابق للجنة عام 2007، فالحرارة الشديدة، وتضاؤل سقوط الثلوج، وغزارة هطول الأمطار وغيرها من الظواهر، أصبحت أكثر تواتراً وشدة بسبب التغير المناخي. وكلما ازدادت الانبعاثات تصاعداً، زادت احتمالات العواقب الوخيمة، بحسب ما حذر التقرير. ومن جانبها، قالت «فيرجينيا بوركيت»، عالمة المناخ في مركز المسح الجيولوجي الأميركي، إنه «بمجرد أن تغرق أمة تقطن جزيرة صغيرة منخفضة المستوى بسبب ارتفاع مستوى البحر، فلن يكون هناك سبيل للعودة بالنسبة لمن يعيشون هناك». لقد ارتفعت درجة حرارة الجو بنحو 5ر1 درجة منذ أواخر القرن التاسع عشر بسبب تراكم ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، والنشاط الصناعي والزراعي وإزالة الغابات. وتتوقع لجنة الأمم المتحدة أن ترتفع درجات الحرارة بنحو 7ر2 إلى 1ر8 درجة إذا تضاعفت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مع ارتفاع مستوى البحر بنحو 10 إلى 32 بوصة بحلول نهاية القرن. ويعتبر التقرير الخامس الذي تعده اللجنة منذ عام 1990، وسيكون أساساً للمفاوضات التي ستجرى العام المقبل بشأن المعاهدة العالمية الجديدة للحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وقد ردت إدارة «أوباما» على الدراسة بالدعوة إلى التوصل لاتفاقية جدية «طموحة» لخفض الانبعاثات العالمية. «ما لم نتصرف بسرعة وبشكل كبير، فإن العلم يخبرنا أن مناخنا وأسلوب حياتنا سيكونان في خطر حقيقي»، بحسب ما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي «جون كيري». ويحدد التقرير بعض التطورات الإيجابية، بما في ذلك الخطوات المهمة التي ستقوم بها دول عديدة للتكيف مع التغير المناخي. كما أن بعض المناطق تستعيد الأراضي الرطبة الساحلية، وتعتمد تنوعات من المحاصيل المرنة، إلى جانب بناء حواجز للحماية من الفيضانات الساحلية وحماية البنية التحتية للطاقة من الكوارث. وقال «مايكل أوبنهايمر»، عالم المناخ في جامعة «برينستون»، الذي ساعد في كتابة التقرير الجديد، «عندما يصبح العرض أقل من الطلب، فإن هناك بعضاً من الناس لن يستطيعوا الحصول على الغذاء الكافي.. وعندما لا يحصل بعض الناس على الطعام، فإن المجاعات تحدث، وأنا قلق من حدوث ذلك في المستقبل». توني باربوزا كاتب متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»