يبدو مألوفاً التغير الحاصل على التصورات الأوروبية بشأن روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم، فهي تذكرنا إلى حد كبير بالآراء السلبية التي انتشرت حول أميركا غداة قرارها غزو العراق، فعلى غرار ما حدث في العراق لم يكن مرد التصورات السلبية مجرد الاعتداء العسكري على دولة ذات سيادة ومعارضة عدد كبير من الدول لهذا الأمر، بل كان مرده الكذب الصارخ الذي لجأ إليه المسؤولون في كلا البلدين لتبرير التحرك العسكري. فبعد مرور سنوات عديدة وفي ظل معرفتنا بعراق صدام حسين ما زالت صورة وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، وهو يتحدث عن أدلة زائفة بشأن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل بمجلس الأمن الدولي واستخدامها كذريعة للغزو ماثلة أمام الجميع؛ ومع أن الفرق واضح بين القرم والعراق، لا سيما أن أميركا ومهما كانت أهدفها في العراق لم تكن أبداً تفكر في ضم البلد كما فعلت موسكو، إلا أن الأمر متشابه عندما يتعلق بالكذب. وبالنسبة للعديد من المراقبين ستبقى اللحظة التي أنكر فيها "بوتين" إرسال قواته إلى القرم عالقة في الأذهان، وفي حين أنه لا يكترث كثيراً لما يقوله الرأي العام الدولي، إلا إنه سيدفع ثمن فقدان المصداقية وسيكون له أثر في المستقبل. فعلى سبيل المثال أعلنت روسيا خلال الأسبوع الجاري أنها اعتقلت 25 مواطناً أوكرانياً لهم علاقة بمخطط إرهابي، يستهدف روسيا، وتشرف عليه إحدى الجماعات اليمينية الأوكرانية المتطرفة، لكن وبالنظر إلى كذب بوتين في مرات سابقة فإنه من غير الوارد أن يتعامل المجتمع الدولي بجدية مع الاتهام. وإذا لم تقدم موسكو أدلة دامغة تثبت ادعائها، فإن الناس ستنظر إلى الأمر بنوع من السخرية، وعندما تقول روسيا إنها لا تستخدم شركتها غازبروم لأغراض سياسية في حين أنها رفعت سعر إمدادات الغاز إلى أوكرانيا بحوالي 40 في المئة، فلا بد أن المجتمع الدولي لن يأخذ كلامها على محمل الجد. ولعل ما يظهر تدهور صورة روسيا بسبب تبريراتها الواهية تلك المكالمة الهاتفية التي رُصدت مؤخراً ونشرت على موقع «يوتيوب» بين دبلوماسيين روسيين أحدهما إيجور تشوباروف، سفير روسيا لدى إريتريا، والثاني سيرجي باخاريف، السفير لدى زيمبابوي ومالاوي، حيث كانا يناقشان طرق إقناع الدول الأفريقية بالتصويت ضد القرار الأممي المعارض لضم روسيا للقرم، وقد تبين أن الرجلين يبذلان قصارى جهدهما لاستمالة الدول الأفريقية، لكنها فشلا في ذلك، ولم يتمكنا من إقناع سوى زيمبابوي والسودان بمعارضة القرار، كما أنه من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة لم تتمكن روسيا من استمالة سوى عشر دول لصالحها من بينها سوريا وبيلاروسيا وكوبا وفنزويلا. ورغم اعتراض مكالمات أخرى لمسؤولين أميركيين كشفت كلاماً بذيئاً تم التلفظ به، إلا أن الخاسر الأكبر ستكون روسيا التي ستفقد الكثير من رصيدها الدولي وستخسر مصداقيتها على الصعيد العالمي، ولن يتوقف الأمر عند قضية القرم بل ستمتد التصورات السلبية حول روسيا إلى مواضيع أخرى، وإذا كان بوتين يعتقد العكس ما عليه سوى الاستفسار من وزارة الخارجية الأميركية عما حصل لأميركا بعد غزو العراق. ------ مارك تشامبيون كاتب أميركي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»