للأستاذة ندى عبود جار الله العماري تقرير قيم عن واقع القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة نشر في الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية، الذي نصدره سنوياً بالعربية والفرنسية والإنجليزية... فالقضية، حسب تعبيرها، بقيت أسيرة محاورها التقليدية نفسها، طوال السنوات الأخيرة، وهي: 1- فشل المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وعدم إمكان التوصل إلى أي تسوية. 2- المصالحة الوطنية وتأليف حكومة توافقية، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. 3- إعادة بناء حركة وطنية فلسطينية على أسس جديدة. وقد أُضيف إلى هذه العناوين الثلاثة عنصران جديدان هما: خروج حركة «حماس» من دمشق جراء تطورات الأوضاع في سوريا، وعضوية فلسطين في الأمم المتحدة... والنقطة الأخيرة التي تهمنا هنا تذكرنا بالتاريخ الفلسطيني المعاصر، حيث إن ياسر عرفات رأى في إطار حساباته وإرهاصات الضغوط التي كان يواجهها أن يعلن قيام دولة فلسطين في ختام أعمال المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 /11 /1988 بإعلان الاستقلال، وفي حينها وما بعد، وصف المنتقدون ذلك الخطاب بأنه مجرد خطاب تعبوي ورمزي ويفتقر إلى الرؤية الواقعية. والشيء نفسه وقع سنة 1999، وصار كثيرون ينظرون إلى مثل هذه الخطوات على أنها أفعال دون نتائج وهي بلا معنى، ويتم التخلي عنها في نهاية المطاف. وفي الاتجاه نفسه قوبل إعلان الرئيس محمود عباس في 25 مايو 2011 أنه سيتوجه إلى مجلس الأمن لطلب العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة بالتساؤل وبالتوجس معاً. فالولايات المتحدة الأميركية عارضت هذا الإعلان، وأصدر الكونجرس قانونًا يعاقب فيه كل من يؤيد هذا المسعى. وهددت إسرائيل كعادتها كل مرة بوقف صرف الأموال العائدة للسلطة الفلسطينية، وبالتضييق عليها اقتصادياً وأمنياً. ومع أن مجلس الأمن لم يستجب لهذا المسعى، إلا أن الرئيس عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 /11 /2012 طالب بقبول فلسطين دولة غير عضو، فكانت النتيجة هزيمة دبلوماسية وسياسية لأميركا وإسرائيل، واقترعت 138 دولة (من أصل 194 دولة) لمصلحة فلسطين، ودشنت القضية الفلسطينية خطوة ومكسباً مهماً في تاريخها النضالي الطويل. ومعارضة أميركا والكونجرس الأميركي لإنشاء الدولة الفلسطينية مسألة مفهومة عند المهتم بالعلاقات الدولية والمتتبع للأحداث العربية والدولية، ولكن ما هو فهم المبتدئ والطالب في مجال العلاقات الدولية أو الإنسان العادي الذي يكتفي بقراءة أو متابعة الأخبار في التلفزيون؟ فطلبتنا مثلاً في الجامعات عندما ندرسهم مواد حقوق الإنسان والحريات العامة والسبق الأميركي والأوروبي في إصدار الإعلانات الدولية في مجال حقوق الإنسان غالباً ما يطرحون ألف سؤال عن هذا النفاق الدولي المتمثل في الدفاع عن دولة الاحتلال - الاستعمار الإسرائيلية وما تقترفه من انتهاكات لأبسط حقوق الإنسان في حق شعب انتهكت حرماته وسلبت حقوقه وهجر من أرضه، ثم في المقابل يدعون سائر دول المعمورة إلى احترام حقوق الإنسان ويصدرون التقارير الواحد تلو الآخر وتترجم إلى العشرات من اللغات، وتقام الندوات الدولية وتجتمع المنظمات الدولية وغير الحكومية لتوزيع النقاط والأرقام! وأميركا هي التي استعملت أكثر من أربعين مرة حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن لوقف كل القرارات المنددة والمنتقدة لإسرائيل... والمبتدئ كما المتضلع في مجال العلاقات الدولية ستزداد قناعته الفهمية عندما يقرأ هذه الفقرة في كتاب أحد رؤساء الولايات المتحدة الأميركية السابقين هو جيمي كارتر نشر بعنوان: «فلسطين: السلام لا التمييز العنصري»، حيث يقول: «هناك عاملان أساسيان ساهما في طول أمد العنف والانتكاسات الإقليمية: موافقة البيت الأبيض هذه السنوات الأخيرة على الأفعال غير القانونية لإسرائيل، مدعمة من طرف الكونجرس الأميركي، ولامبالاة القادة الدوليين. هناك في إسرائيل حوارات اجتماعية وإعلامية لامتناهية عن السياسة التي يجب اتباعها في الضفة الغربية، ولكن بسبب قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، نادراً ما تنتقد السياسات الإسرائيلية، كما أن الأميركيين في غالبيتهم يجهلون الأوضاع في المناطق المحتلة. وفي سنة 2003، استغرب الأميركيون وأغضبهم استطلاع رأي أجرته جريدة محترمة (International Herarld Tribue)، حيث استجوبت ما يزيد على 7500 مواطن من الدول الأوروبية، واعتبروا أن إسرائيل تشكل بحق تهديداً للسلم والأمن العالميين أكثر من كوريا الشمالية، وإيران أو أفغانستان». ولتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دعا الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية في نهاية كتابه إلى احترام الشرعية الدولية وتطبيق قرارات مجلس الأمن، ويعني القرار 242 الصادر في عام 1967 والقرار 338 الصادر في عام 1973، وبمعنى آخر الرجوع إلى حدود 1967. وبعد دراسته للقضية الفلسطينية في كل الكتاب، ندد كارتر بمنطق التمييز العنصري المطبق الذي يمنع كل تطور اقتصادي للفلسطينيين، حيث كدر صفو حياتهم وسلب أرضهم ودمر صروح حضارتهم وتطورهم وعرقل مسيرة تنميتهم. ومعنى هذا الكلام أنه بموافقة البيت الأبيض على الأفعال غير القانونية لإسرائيل مدعمة من طرف الكونجرس الأميركي، ولامبالاة القادة الدوليين، وهذا كلام لرئيس سابق لدولة أميركا يعي ما يقول، فإن المقاومة تبقى هي الحل، وإن المفاوضات لن تسمن ولن تغني من جوع، ولكن آليات الصراع الدولي في هذا النظام الدولي الجديد تجعل من هذه المقاومة وهذا التصور منحى صعباً بسب عدم توازن القوى بين الأطراف المتصارعة ومساندة أقوى دولة في العالم للطرف الإسرائيلي، وهذا يعني ضمن ما يعنيه التأثير على آليات هذا النظام الدولي، وضرورة تفعيل دور الدول العربية والإسلامية مجتمعة مستعملة أدوات مضادة لآليات هذا النظام الدولي، وهذا أمر صعب ولله الأمر من قبل ومن بعد.