نشرت «النيويورك تايمز» قبل يومين تقريراً عن السعودي الإخواني سلمان العودة، يكشف مثالاً لما يمكن وصفه بالشخصيات المتمردة التي أثبتت فشل النموذج، وتعبر تصريحاته عن التململ وقسوة الهجران والإعراض الذي يعيشه من قبل القيادة السعودية، وهو تجاهل أسبغ عليه حالة من الضيق والتوتر إثر ذبول حلم بالزعامة السياسية يتهاوى، حيث تحطمه حالة ترقب قاتلة، تضطره أحياناً لتصرفات نابعة عن ضياع المعنى، لأن الروح خاوية من النور، والظلمة تفتك بداخله. إن أكبر ركائز القوة في الحكم السعودي اليوم هو أن الدولة بكل مؤسساتها قوية وراسخة، وجاءت البيعة للأمير مقرن ولياً لولي العهد، لتصب في هذا المنحى. ولم تكن يوماً قيادتها أكثر قوة، وصناعة القرار أكثر توحداً منها اليوم. ورغم الصبغة الدينية للدولة، وتغلغل الإسلام السياسي في مفاصل ومؤسسات الدولة، إلا أن ما يبعث على الارتياح إلى حد كبير هو أن مفهوم الدولة صلب، وراسخ، وهيبة الدولة تتجسد اليوم في كل القرارات الملكية والتشريعات، وفي الأحكام القضائية التي نشهدها منذ الشهور الثلاثة الأخيرة. وكانت القيادة السعودية استطاعت عبر أكثر من أربعة عقود أن تسمح بوجود «إخوان» سعوديين عميقي الولاء للحكم، يؤدون بيعتهم للملك، واستطاعوا عبر عقود أن يشكلوا لوناً مختلفاً من بين أطياف «الإخوان» في العالم العربي. صحيح أن بعضاً من المحسوبين على «الإخوان» السعوديين نشطوا سياسياً وصنفوا في خانة المعارضة، وواجهتهم الدولة بصرامة، ولكن الإخوان استطاعوا تجاوز كل تلك المطبات، والتعويض عنها أيضاً. أي أن السعودية كانت وما زالت متخمة بشريحة واسعة ومؤثرة من الإخوان المسلمين الوهابيين في الوقت نفسه. ومن المهم إدراك أن «الإخوان» السعوديين هم أكثر التيارات التي تقدم مبادرات تصب في صالح الدولة، وكثيراً ما تكون مبادرات مجانية في البداية، ولكن تصب بعد حين استثماراتها في جيوب أهلها، حيث تتحول بعض مشاريع الدولة المناطة بهم إلى أن يكون كل مشروع جديد وكراً لهم وحكراً عليهم. موقف السعودية في بداية حكم محمد مرسي لمصر، كان حذراً ولبقاً، حيث استقبل مرسي كما يستقبل الرؤساء، وصدرت توجيهات للصحف السعودية المحلية والدولية بأن تخفف إلى حد كبير من نقد «إخوان» مصر، وعدم التعرض لمحمد مرسي، أو على الأقل التمييز بينه وبين التنظيم، وأنه أصبح رئيساً لكل المصريين، وليس عضواً في «الإخوان». ولكن هذا الربيع في العلاقة لم يستمر، حيث تسببت العلاقة الحميمة بين إيران وبين «الإخوان» في مصر بتوتر العلاقة، كما حصل في السابق مع «حماس» وعلاقتها بسوريا وإيران، وانتهت إلى انسداد وعداوة، ولهذا كانت السعودية أول دولة تعلن تأييدها للحكم الجديد بعد سقوط مرسي وسيطرة الجيش على مقاليد الحكم. خلاصة ما يمكن قوله هي أن ما وجد في السعودية هو «مشروع إخوان»، تغاضت عنه القيادة لظروف تاريخية، وتتعرض هذه العلاقة وهذا التحالف أحياناً للمشاكل والتوتر وسوء الفهم وتعارض المصالح، ولكنها تعود دائماً إلى مجاريها بشرط ألا يكون «الإخوان» حلفاء ضمن مشروع يستهدف مصالح السعودية، أو يوظفوا قدراتهم لمصلحة جهة معادية للسعودية كما لاحظناه بعد أحداث «الربيع العربي» في التقارب الإخواني المصري لإيران، وهو ما عجل بسقوطهم ووقوف السعودية بكل شراسة وإصرار ضد حكم «الإخوان»، ودعم السيسي والجيش. «الإخوان» السعوديون اللحظة هذه في طور تشكل جديد، وإعداد لصفقة جديدة، يمكنهم من خلالها الحفاظ على مكاسبهم الشخصية أولاً، وعدم التفريط في مناصبهم، ومؤسساتهم التي عششوا فيها. والأهم هو الحيلولة دون أن نراهم يوماً ضمن لجان تتولى تتويب «الإخوان» على يد «الإخوان» الجدد!