في عام 1986، أُدخلت امرأة في منتصف العقد الرابع من عمرها إلى أحد مستشفيات مدينة بوسطن الأميركية، ورغم أن معظم اليوم مر بسلام، إلا أنها في المساء شعرت بألم حاد وساحق في صدرها، امتد إلى ذراعها اليسرى. وهذه الأعراض هي أعراض كلاسيكية متعارف عليها للإصابة بالذبحة الصدرية، إلا أن المحيّر أن هذه المرأة لم تكن تعاني ضيقاً أو مرضاً في الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، ولم تصب بجلطة دموية تسد تلك الشرايين، وهي الأسباب الشائعة والمعتادة للإصابة بالذبحة الصدرية. وبمراجعة التاريخ المرَضى لهذه السيدة، وسبب دخولها المستشفى، اكتشف الأطباء أنها تلقت في الصباح، خبر انتحار ابنها البالغ من العمر سبعة عشر عاماً، وأن ما كانت تعانيه ليس ذبحة صدرية بمفهومها التقليدي، وإنما هو ضرر وتلف شديد في عضلة القلب، بسبب حالتها النفسية، وليس بسبب عضوي مباشر. وهذه الحالة التي تتضمنها المراجع الطبية، خصوصاً تلك المختصة بالتاريخ الطبي، وعلاقة الحالة النفسية بالصحة الجسدية، كانت بداية بزوغ فجر جديد في فهمنا لتأثير التوتر الشديد على الحالة العضوية، وقدرته على إحداث تغيرات فسيولوجية. والغريب هنا، أن هذا الفجر تأخر بزوغه بين أفراد المجتمع الطبي، على الرغم من أن الموروث الثقافي البشري تضمن منذ آلاف السنين، وصفاً تفصيلياً، لما يعرف بالقلب المكسور أو القلب الجريح، وكيف يمكنه أن يتسبب في وفاة صاحبه. فهذه الحالة النفسية، التي قد يسخر منها البعض أو حتى قد يستهزئ، هي في الحقيقة جزء من التجربة الإنسانية، ومحطة شعورية مهمة، قد يتكرر الوقوف عندها مرات عدة في رحلة الحياة. فالقلب الجريح أو المكسور، لا ينتج كما هو الاعتقاد الشائع، فقط من رفض الحبيب كما في حالات الحب من طرف واحد، أو من خيانة المعشوق، وإنما بشكل أكثر بسبب فقدان عزيز - الأبناء والآباء على وجه الخصوص - أو نتيجة خسارة مالية ضخمة تذهب بثروة طائلة أو بتحويشة العمر أدراج الرياح، وفي بعض الحالات نتيجة فقدان الوظيفة وسبيل الرزق، أو حتى فقدان صديق أو حيوان أليف. ويمتلئ الأدب الشعبي والكلاسيكي، بالعديد من القصص والحكايات، التي كسر أو جرح فيها قلب بطل أو بطلة القصة أو الحكاية، مما أدى إلى وفاته أو وفاتها. وحتى على خلفية هذا الموروث الثقافي والأدبي، لم يعر أفراد المجتمع الطبي حتى وقت قريب، خصوصاً المختصين منه في أمراض القلب، اهتماماً كافياً لهذه المنظومة النفسية، حيث كان الأطباء - الجادون في عملهم - يصبون اهتمامهم على الجلطات الدموية، وعلى تصلب الشرايين وانسدادها، وما تتطلبه هذه الحالات من أدوية كخفضة للكولستيرول، وعقاقير مذيبة للجلطات، أو وضع دعامات للشرايين، أو تغييرها بالكامل، أو أحياناً زراعة قلب جديد، أما من يشتكون من حالات نفسية فكان يتم تحويلهم - مع درجة من الاستخفاف - إلى أريكة الاختصاصيين النفسيين. هذا على الرغم من أن فرعاً آخر من فروع العلوم الحديثة، أي الطب البيطري، أدرك منذ عقود تأثير التوتر الشديد على الحيوانات، وكيف يمكنه أن يقتلها، ضمن ما يعرف بمنظومة الأسر أو الافتراس (Capture Syndrome). فالحيوانات التي تتعرض للمطاردة من حيوان ضارٍ، يفرز الجسم كميات هائلة من هرمون الأدرينالين - الهرمون المسؤول عن وضع الجسم في حالة التأهب القصوى - وبمستويات عالية جداً، تجعل دم الحيوان مسمماً تقريباً، مما قد يسبب تلفاً في قلب وشرايين الفريسة. وحتى الحيوانات التي يتم اصطيادها لوضعها في حديقة حيوانات، أو نقلها إلى مكان آخر بعيد، كثيراً ما تنفق من التوتر الذي تتعرض له خلال عملية الأسر. والآن، أصبح المجتمع الطبي يعترف اعترافاً كاملاً بمنظومة القلب الجريح - وهو ما يعود الفضل فيه بشكل كبير للأطباء اليابانيين - نتيجة خسارة مادية أو نفسية فادحة، أو بشكل أدق ضعف وتلف عضلة القلب نتيجة التوتر النفسي الشديد (Stress Cardiomyopathy)، الذي قد يؤدي بدوره إلى فشل وهبوط حاد في القلب، أو عدم انتظام ضربات القلب بشكل قاتل، وربما حتى انفجار بطين القلب نتيجة ضعف العضلات المكونة لجداره. ومن المهم هنا إدراك أن تعبير القلب الجريح على عمومه، يشمل جانبين؛ النفسي والعضوي. فالجانب النفسي يعبر عن الحالة النفسية التي يمر بها من تعرض لفقدان عزيز، أو لخسارة مادية فادحة، أما الجانب العضوي أو الجسدي فيعبر عن التلف المحسوس الذي يصيب عضلة القلب، والممكن قياسه علمياً. ومن الأكيد أن التوتر الشديد، أو حتى التوتر المزمن لفترة طويلة، لا يترك بصمته القاتلة على عضلة القلب فقط، وإنما أيضاً على العديد من أعضاء وأجهزة الجسم الأخرى، مثل جهاز المناعة، والذاكرة، وسرعة التئام الجروح، وحتى الأطفال الذين يتعرضون لتوتر شديد، بسبب طلاق الوالدين، أو استخدام أحدهما المخدرات أو الكحوليات، أو تعرضهم للعنف البدني، تختل لديهم معدلات وطبيعة النمو. ومؤخراً أظهرت الدراسات أن التوتر المزمن يرتبط بمعدلات تخزين الدهون البطنية - المسؤولة عن الكرش - فكلما زاد التوتر، زاد معدل اختزان الجسم للدهون البطنية، والمعروف علاقتها الوثيقة بالسكري من النوع الثاني، وبأمراض القلب والشرايين، وغيرها من الأمراض.