يطل علينا الجاسوس جوناثان بولارد بوجهه مرة أخرى في محادثات سلام الشرق الأوسط، مما يعني أن المحادثات توشك على الإنهيار. وكان بولارد محلل بيانات استخباراتية في البحرية الأميركية، وقد سرق أسراراً أميركية قيمة ونقلها إلى إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي. وكان يعتقد أنه يلعب دور موردخاي في قصة بوريم ليحمي اليهود من إبادة وشيكة. والقصة كما وردت في العهد القديم تحكي عن خلاص اليهود في بلاد فارس من مجزرة كان يعدها لهم هامان وزير الإمبراطور الفارسي، لكن «استير»، زوجة الإمبراطور اليهودية، استطاعت بتوجيه من موردخاي الذي تبناها وهي صغيرة ويتيمة، أن تنقذ اليهود وتفتك بهامان وأتباعه. فقد كان بولارد واقعاً تحت تأثير أوهام أن الولايات المتحدة تحجب عن حليفتها بيانات حيوية لوجود إسرائيل. لكن بولارد الأميركي الجنسية كان خائناً في واقع الحال وعومل على هذا النحو وحكم عليه بالسجن المؤبد بعد أن أدين بالتجسس وقضي حتى الآن 30 عاماً في السجن. وخلال هذه الفترة تعرضت صورة بولارد في إسرائيل لسلسلة من التحولات. فقد ظلت الحكومة الإسرائيلية تنكر أنها جندته، لكنها منحته الجنسية الإسرائيلية في عام 2008. والآن أصبح الإفراج عن الجاسوس السابق قضية عامة تحظى بتأييد طيف واسع من الجمهور الإسرائيلي. وبالاستناد إلى معايير إنسانية صرفة، يتبنى أنصار بولارد في إسرائيل والولايات المتحدة حجة مفادها أن الحكم عليه كان قاسياً، وهناك أدلة على أن المدعين الأميركيين الاتحاديين قد انتهكوا اتفاقاً قضائياً أبرموه معه. ولم يتمتع بولارد قط بصحة عقلية جيدة في يوم من الأيام، ويقال إن ما وصل إليه من خلل نفسي حالياً أكبر بكثير مما كان عليه عند اعتقاله. وإذا قررت إدارة أوباما أن بولارد سدد ديونه للمجتمع الأميركي واختارت إطلاق سراحه فلها لذلك. وإذا اعتقدت الإدارة أن الإفراج عن بولارد سيكون طريقة جيدة لتحقيق تقدم في مفاوضات السلام، فيتعين عليها في هذه الحالة أن تستعين بمفاوضين أكثر حنكة وخبرة. فالإفراج سيشكل فوزاً سياسياً لنتنياهو وسيخلق شعوراً بالعرفان بالجميل وسط وزراء الجناح اليميني في ائتلافه الحاكم. لكن هذه المشاعر ستتبدد بمجرد أن يستأنف نتنياهو مقايضة الأرض مع الفلسطينيين بالسلام. وهذه المشاعر ستتبدد أيضاً ما أن يبدأ نتنياهو مجدداً بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. وأعضاء الجناح اليميني في ائتلاف نتنياهو سيروقهم كثيراً أن يستقبلوا بولارد بحفاوة في مطار بن جوريون الدولي، لكنهم لن يقايضوا ولو بوصة واحدة من الأرض مقابل الجاسوس السابق. والاعتقاد بغير هذا حماقة. فقضية السلام في الشرق الأوسط لن تمضي قدماً من خلال الإفراج عن الجاسوس المشؤوم. وكانت تقارير قد ذكرت في الآونة الأخيرة أن الولايات المتحدة ربما تطلق سراح بولارد في خطوة لإنقاذ المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، لكن البيت الأبيض أشار يوم الاثنين الماضي إلى أن ليس لديه معلومات ليقدمها بشأن بولارد، بعد أن صرحت مصادر بأنه سيتم الإفراج عن الرجل ومجموعات من السجناء الفلسطينيين في إطار اتفاق تجري دراسته. ------ جيفري جولدبيرج محلل سياسي مهتم بشؤون الشرق الأوسط ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»