يُنظر إلى حزب المعارضة الرئيسي في الهند، «باهاراتيا جاناتا»، على أنه الحزب الأوفر حظاً في الانتخابات العامة المقبلة بالنظر إلى الشعبية الكبيرة التي يحظى بها زعيمه المثير للجدل، ناريندرا مودي، لكن صعود هذا الأخير باعتباره خيار الحزب الأبرز لتولي رئاسة الوزراء وكونه صاحب تطلعات سياسية كبيرة يسعى لتحقيقها، دفعا الكثير من الخصوم، بل وحتى أعضاء الحزب القدامى، إلى إبداء تخوفهم من السياسي الذي يبدو أنه مستعد لتهميش قادة مهمين في الحزب للوصول إلى مبتغاه وهو رئاسة الوزراء في بلد كبير ومعقد مثل الهند. ففي سبيل بلوغ القمة الموعودة، لم يتورع مودي ومساعدوه داخل الحزب عن تشديد قبضتهم على هياكله على حساب الآخرين. وفي هذا الأثناء تعرض بعض أبرز قياديي الحزب اليميني في الهند إلى التهميش والإقصاء، دون أن تشفع لهم السنوات الطويلة التي أمضوها في قمته. وهنا تمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى جاسوانت سينغ، الزعيم المعتدل الذي يحظى باحترام كبير في أوساط الحزب ووزير الخارجية السابق الذي أسيئت معاملته بسبب رفض الحزب منحه تزكية الترشح باسمه في ولاية راجاستهان، فما كان منه إلا أن قرر الترشح كمستقل تحدياً لقرار الحزب الجائر. والأمر نفسه حصل مع نائب رئيس الوزراء السابق، أدواني، والعضو الفاعل في حزب باهاراتيا جاناتا الذي امتنع الحزب عن ترشيحه في ولاية مادهيا براديش وأرغمه على النزول في ولاية أخرى هي غوجورات، علماً بأن الرجل كان من أشد المدافعين عن مودي ويعتبر من عرابيه الأوائل في عالم السياسة. وفي تصرف مسيء آخر زاحم مودي وزير التعليم السابق، مورلي مانوهار جوشي، في مدينة فاراناسي. كل ذلك أثار استياء العديد من قادة الحزب، ومن بينهم كبيرة وزراء نيودلهي السابقة وإحدى أبرز قيادات الحزب، سوشما سواراج، لتعبر صراحة عن استيائها من الطريقة التي تُدار بها الأمور داخل حزب عريق يفترض أن تُحترم فيه قياداته التقليدية ويتم إشراكها في اتخاذ القرار بدل احتكاره من قبل مودي وأعوانه. لكن يبدو أن هذه التصرفات ليست سوى مؤشر لعملية إعادة تأهيل حزب باهاراتيا جاناتا، العملية التي يقودها مودي المعروف بعدم تسامحه مع المعارضين وبميوله الواضحة نحو السيطرة والتفرد بإدارة حزب يبدو أن هيئاته وهياكله المختلفة منصاعة تماماً لرغبة مودي، ظناً من بعض قادتها أن ذلك سيقدم لهم السلطة على طبق من ذهب بعدما تتم الإطاحة بحزب «المؤتمر»، غريمهم التقليدي. وفيما تنتقد منظمات حقوق الإنسان «مودي» لدوره السلبي في العنف الذي استهدف المسلمين في عام 2002 وسقوط الآلاف منهم في مواجهات طائفية مع الهندوس، قيل إن السلطات الأمنية وقفت موقف المتفرج إزاءها، فإنه يتم الاحتفاء به والتهليل لإنجازاته الاقتصادية، لاسيما في ولاية غوجورات التي حولها خلال فترة رئاسته لها إلى قاطرة اقتصادية ناجحة لفتت انتباه المراقبين باعتبارها نموذجاً يمكن تعميمه على سائر الولايات الهندية. كما أنه اكتسب سمعة طيبة خلال توليه السلطة باعتباره سياسياً قادراً على الإنجاز، ما جعله يحظى بدعم كبير من الصناعيين ورجال الاقتصاد الذين يعتقدون أنه يجسد القيادة الحاسمة التي تحتاجها الهند لوقف الانحدار الاقتصادي وإعادة الزخم للنمو بعد فترة من التباطؤ والتقهقر. وفي خضم هذه الأجواء صعد نجم مودي، مثيراً مخاوف وقلق قطاع مهم من قياديي الحزب الذين سيجدون أنفسهم في حال فوزه في الانتخابات المقبلة خارج اللعبة. والحقيقة أن الصراع الداخلي الذي يخترق الحزب أضر بمصداقيته، فيما يحاول تصوير نفسه كبديل أفضل لحزب «المؤتمر»، بل إن خصوم مودي السياسيين استغلوا حالة التململ داخل حزبه لتوجيه سهام النقد لقيادته، كونه غير قادر على توحيد صفوف تكتله السياسي، فما بالك بتوحيد البلاد حول أجندة اقتصادية تُخرج الهند من حالة التراجع، ما يعني أن نجاح مودي في ولاية غوجورات لن يحسم بالضرورة السباق الانتخابي لصالحه، أو على الأقل لن تكون العملية بالسهولة المتصورة. ففي الهند، ومنذ الثمانينيات، تولت السلطة حكومات ائتلافية تتشكل من طيف واسع من الأحزاب الكبيرة والصغيرة، ومع أن حزبي «باهاراتيا جاناتا» و«المؤتمر» يظلان أكبر وأهم حزبين في البلد، إلا أنهما يحتاجان معاً لدعم الأحزاب المحلية لتشكيل الأغلبية، ما يعني أن مودي لن يستطيع المضي قدماً من دون مساعدة باقي الأحزاب. هذا وتنتصب أمامه عقبة أخرى تتمثل في كسب كرسي مدينة فراناسي برمزيتها الكبيرة بالنسبة للهندوس كمحج ديني وأيضاً كمدينة تراثية قديمة. ومع أن المدينة محسوبة تقليدياً على حزب باهاراتيا جاناتا، إلا أن قبضته عليها بدأت تتآكل في السنوات الأخيرة، بل وصل الأمر إلى حد خسارتها في انتخابات 2004، ولم يستعد السيطرة عليها إلا في عام 2009 وبفارق أصوات ضئيل عن السياسي المسلم والرجل القوي، مختار أنصاري. والسبب أن المدينة، وإن كانت مركزاً دينياً للهندوس، إلا أنها تضم عدداً معتبراً من السكان المسلمين والمشهورين في العالم بمشغولاتهم اليدوية، لاسيما في مجال النسيج وصناعة الألبسة التقليدية ذات الجودة العالية. ولعل ما يزيد من صعوبة المدينة بالنسبة لمودي أن المسلمين يمثلون 25 في المئة من قوتها الناخبة، وهم غالباً ما يصوتون لمصلحة حزب «المؤتمر» أو الأحزاب المحلية. وقد زاد الوضع إثارة بعد أن أعلن زعيم حزب «عام آدمي»، أرفيند كيجريفال، خوضه السباق الانتخابي في المدينة ضد مودي، فالرجل يطرح بديلا للمسلمين الذين من غير المرجح أن يقترعوا لمصلحة مودي بالنظر إلى ماضيه وسمعته غير الناصعة في التعامل مع المسلمين. هذا بالإضافة إلى أن قرار كيجريفال الترشح ضد مودي ومنازلته في السباق الانتخابي، يؤكد الصورة التي سعى إلى تكريسها بأنه لا يخشى مواجهة كبار السياسيين، وهو بالفعل ما قام به قبل أربعة أشهر في نيودلهي عندما واجه رئيسة وزرائها، ملحقاً بها هزيمة نكراء. لكن، وفيما سيكون إلحاق الهزيمة بمودي الأكثر شعبية أمراً صعباً، إلا أنه بالتأكيد سيظل شوكة مغروسة في حلقه.