جعلت دولة الإمارات من استقرار مصر قضية أساسية. وتصرفت معها منذ سقوط «الإخوان» في يوليو 2013 على أهمية عودتها إلى الساحة العربية لتقود الموقف الاستراتيجي العربي «المترهل»، في مقابل الدول الإقليمية الأخرى؛ إيران وتركيا اللتين تستغلان كل ضعف عربي. لهذا؛ فإنه يبدو من تنازل الإمارات لحقها في استضافة القمة العربية القادمة أنه يصب في خانة عزم الإمارات على العودة الاستراتيجية العربية بقيادة مصر. ومن هذا المنطلق؛ هناك أكثر من سبب حول رغبة الإمارات وعزمها على عودة الدولة المصرية لقيادة العرب. السبب الأول: أن هناك تنافساً إقليمياً (تركيا وإيران)، ودولياً (الولايات المتحدة وروسيا)، على الاستفادة من الوضع السياسي العربي الذي يعاني فراغاً سياسياً منذ أواخر 2010. وأعتقد أن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية تصب في خانة التنافس الدولي بعدما شعرت الإدارة الأميركية بالتحرك الروسي نحو المنطقة. إضافة إلى حاجة واشنطن لمعرفة وجهة نظر إقليمية في الكثير من الملفات الداخلية ومنها ملف «الإخوان المسلمين». السبب الثاني: أن هناك انشغالا عربيا كاملا لكل دولة بالوضع الداخلي لديها، بعضها بسبب التدخلات الخارجية وبعضها لأن هناك دولا عربية تدعم تيارات سياسية معينة تتسبب في وجود خلافات عربية كبيرة لم تستطع «ترميمها» القمة العربية التي عقدت الأسبوع الماضي في الكويت والتي كان يتوقع لها أن تقلل من تلك الخلافات؛ ولعل السبب هو الافتقار للدور القائد أو عدم وجود رؤية عربية موحدة في مصادر تهديد الأمن القومي العربي. أعتقد أن موقف الدول الخليجية الثلاث، الإمارات والسعودية والبحرين، بشأن سحب السفراء من دولة قطر هو دليل على الرغبة في وضع حد لحالة «الانفلات» السياسي الذي تعيشه الدول العربية. دولة الإمارات العربية المتحدة تشعر بأن عودة مصر إلى الساحة السياسية أمر لا يقبل النقاش أو الجدل. وإذا كان هذا الرأي محل نقاش بعد ثورة يوليو 2013 ضد جماعة «الإخوان» هناك، فإن الموقف الإماراتي اليوم يبدو هو الأكثر واقعية وله الأفضلية سواء لدى الرأي العام العربي والرأي العام المصري تحديداً، والدليل هو حالة الاستقرار؛ وإن كان مؤقتاً أو شكلياً ولكن بالمقارنة يعتبر الأفضل. كما تبدو واقعية الرؤية الإماراتية من ناحية «تعزيز» الموقف المصري، خاصة فيما يتعلق بعودة السياسة الدولية للاهتمام بالملفات العربية كقضية السلام في الشرق الأوسط، وإعلان الولايات المتحدة عن تعاملها مع أي رئيس يختاره الشعب المصري. بل حتى الملف الإيراني لم يعد كما كان قبل فترة بسيطة. ما أعنيه أن المواقف السياسية العربية يبدو الآن أنها أقوى «نسبياً»، وذلك مع احتمالية عودة مصر القوية، حيث بدأت المواقف العربية تتكثف حول الملفات الأخرى؛ خاصة سوريا والرغبة في إنهاء هذا الملف، كما اتضحت تلك المواقف بعد أن استعادت مصر شيئاً من عافيتها بعد تراجع مخاطر تهديد تيار «الإخوان المسلمين» في الدول العربية. هناك شعور عربي ملحوظ؛ خاصة في دولة الإمارات (وبالطبع المصريون في المقدمة) بالحاجة لاستقرار مصر ولعودة دورها السياسي على اعتبار أنها «القوة» العربية التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الاختلافات السياسية العربية، وكذلك في الحد من الطموحات السياسية للقوى الإقليمية. نجحت دولة الإمارات في جذب انتباه الرأي العام العالمي إلى أن مصر في طريقها لاستعادة دورها الإقليمي من خلال تحقيق العديد من العوامل المساعدة على تحقيق الاستقرار الداخلي، وبالتالي فإن استضافة مصر للقمة العربية السنة القادمة دليل على ضبط مصر لإيقاع السياسة العربية ودليل على عودة دورها الطبيعي في العالم العربي. وكنتيجة لذلك؛ فإن محاولات الرئيس الأميركي الرامية لإعادة علاقات بلاده بمصر ستكون أمراً طبيعياً. هذه أحد محاور زيارة أوباما للسعودية. كما أنه سيكون طبيعياً أن نجد مواقف عربية حازمة في ملفات معينة مثل قضية السلام في الشرق الأوسط وحالة التدخل الإيراني في الشؤون العربية، لاسيما في سوريا ولبنان، بل وحتى اللهجة السياسية الإيرانية ربما ستتغير بعدما طغت لغة التهديد. قد لا يكون هذا الافتراض مقنعاً للبعض، على اعتبار أن «الجزم» بأن الاستقرار في مصر غير حقيقي وأن ما نراه وهو أمر غير مؤكد باعتبار أن «الإخوان المسلمين» يتحايلون على الوضع السياسي وربما يعودون مرة ثانية لإفشال الرئيس المصري القادم، لكن الصورة العامة تبدو من بعيد أنها تسير نحو الاستقرار الكامل على الأقل. كما أن الذاكرة التاريخية للعرب توضح أنه كلما كانت مصر دولة قوية تكون الدول العربية في أفضل حالاتها، في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر وفي الأيام الأولى لسلفه أنور السادات، وخلال الفترة الأولى لحسني مبارك؛ لذلك فإن الإدراك العام هو أن العرب بعد الانتخابات الرئاسية القادمة سيتغيرون. القصد من تنازل الإمارات عن استضافة القمة العربية السنة القادمة هو إحياء الدور السياسي العربي وإصلاح الخلل الذي نتج من فعل الثورات العربية. لن يكون الموقف الاستراتيجي العربي في مواجهة الآخرين مجدياً دون عودة مصر لقيادة العرب بعدما شابت هذا الموقف العديد من الاضطرابات السياسية. هناك أمور تحتاج إلى المصارحة فيها والتوقف عندها وهي أن العرب بدون مصر قد يفقدون الكثير في إقليمهم. وبالتالي، فإن تنازل الإمارات عن استضافة القمة العربية شهادة منها بأهمية مصر للعرب وعزم قيادتها السياسية على عودة القوة المصرية لمقابلة الطموحات السياسية للدول الإقليمية؛ المستغلة للفراغ السياسي العربي. هناك رغبة إماراتية في استقرار مصر؛ ربما خشية من «انفراط» وضع الدول العربية وبالتالي تكون النتيجة استغلالها من القوى الإقليمية. وهناك دلائل واضحة على أن الإمارات تضع كل ثقلها لتحقيق الاستقرار في مصر ومحاولة التأثير الإيجابي لعودتها؛ وإذا حدث ما ترغب فيه دولة الإمارات بلا شك فسيكون الأمر إيجابياً لكل الدول العربية.