خلال الجولة التي قام بها في الشرق الأوسط، في نوفمبر الماضي، وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري المنطقة باعتبارها ماضية في طريقها نحو سلسلة مذهلة من الاختراقات بفضل الدبلوماسية الأميركية. ففي سوريا، قال كيري، سيقوم مؤتمر سلام قريباً باستبدال نظام الأسد بحكومة انتقالية، لأن «الروس والإيرانيين.. سيحرصون على وفاء النظام السوري بالتزاماته». كما قال إن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بات في طريقه نحو تسوية نهائية بحلول أبريل، مشدداً على أن «هذه ليست مهمة مستحيلة.. بل هي أمر ممكن». وأغدق بعض الناس عبارات المديح والإطراء على كيري لطموحاته الجريئة، قائلين إنه يضيف زخماً جديداً لسياسة إدارة أوباما الخارجية الجامدة، بينما قال آخرون، وأنا أحدهم، إنه واهم. مرت خمسة أشهر، لكن لسوء حظ كيري والمصالح الأميركية، أن رأْينا فيه لم يتغير: إنه واهم؛ فمحادثات السلام السورية انهارت بعيد انطلاقها، وكيري يحاول الآن جاهداً تجنب انهيار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، التي باتت في خطر. قد يقول قائل ألا شيء مما تقدم حدث بسبب خطأ كيري: فنظام الأسد هو الذي رفض التفاوض حول تنحيه، ونتنياهو هو الذي واصل الاستيطان في الضفة الغربية، وعباس هو الذي رفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.. وكل ذلك صحيح، غير أنه أثناء ذلك كان كيري -وبسبب قراءة خاطئة للوقائع التي على الأرض- يعمل على تمكين الأشرار وتقويتهم. فبخصوص سوريا، أبان كيري عن قدر كبير من السذاجة مع بوتين. فبعد أن تولى حقيبة الخارجية بنية زيادة الدعم للثوار السوريين، كطريقة لـ«تغيير حسابات الأسد»، غيّر كيري فجأة المسار في مايو الماضي بعد زيارة للكريملن؛ حيث أعلن أن روسيا والولايات المتحدة «ستتعاونان في محاولة تنفيذ» انتقال من نظام الأسد. وقال عن نفسه وبوتين: «إن فهمنا متشابه». لكنه لم يكن كذلك، فبوتين الذي لا يمقت شيئاً أكثر من عملية تغيير للنظام خططت لها الولايات المتحدة، أمضى الأشهر التالية في مد دمشق بكميات كبيرة من الأسلحة، حتى في الوقت الذي واصل فيه كيري التشديد على أن موسكو ستُرغم الأسد على تسليم السلطة في جنيف. لكن عندما عُقد مؤتمر جنيف أخيراً، دعمت روسيا –على نحو لم يفاجئ أحداً تقريباً غير كيري– ما قال به الأسد من أن المفاوضات ينبغي أن تكون حول محاربة «الإرهاب»، وليس حكومة انتقالية. وهو ما ينقلنا للحديث عن المستنقع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي جعل منه كيري قضيته الشخصية رغم أن إدارة أوباما حاولت من قبل رعاية اتفاق بين نتنياهو وعباس وفشلت فشلا ذريعاً في ذلك، وأن إسرائيل والأراضي الفلسطينية تمثل حالياً جزيرة من الهدوء والاستقرار في شرق أوسط غارق في الدماء. متجاهلا نصائح الخبراء الذين حذروا من أن الجانبين ما زالا غير مستعدين لعقد اتفاق، بدد كيري وقته على الرجلين، مقتنعاً بأن مهاراته السياسة ستحملهما على العدول عن موقفيهما. لكن، ومثلما كان متوقعاً، لم يحدث شيء من ذلك؛ حيث لم يتزحزح الزعيمان عن موقفيهما السابقين من الدولة الفلسطينية قيد أنملة، كما أن عباس كان حازماً جداً في رفضه العلني للشروط التي حاول كيري إدراجها ضمن «إطار» سلام مقترح. جاكسون ديل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»