شهدت الحياة السياسية في مصر إثر ثورة 25 يناير نكسة أدت لتصدع وطني تفاقم مع تولي مرسي للسلطة وأسهمت ممارسات جماعة «الإخوان المسلمين» في زيادة التصدع في بداية إعادة تكوين الحياة السياسية في مصر بعد تنحي الرئيس السابق مبارك حين أبدوا قدراً هزيلاً من التعاطي مع الأطياف السياسية المصرية ولعبوا على التحالفات السياسية خدمة لأهدافهم، وبعد مرور ما يقارب العام على تولي مرسي للسلطة كان حكم «الإخوان» يتهاوى بوتيرة سريعة لتنكشف مؤسسات الدولة التي جرت «أخونتها» وينكشف سوء الإدارة الداخلية وتخبط السياسات الخارجية وكان جلياً حتمية سقوط تجربة دولة «الإخوان» في مصر، ولينكشف خواء البرنامج السياسي لجماعة «الإخوان» القائم أساساً على التخطيط للوصول إلى السلطة دون أن يملك برنامجاً سياسياً واضحاً للحكم، فاستمر في إعادة إنتاج خطاب «المعارضة السياسية» وهو على كرسي الحكم. ومع تصاعد الاستياء الشعبي كان تدخل الجيش حتمياً خاصة مع ضغط المطالبات الشعبية. وفي 3 يوليو 2013 أعلن وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالفتاح السيسي عزل مرسي وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد وتعطيل العمل بالدستور، ورسم خريطة طريق جديدة لانتشال مصر من عملية «الأخونة» التي بدأها مرسي وجماعته لمحاولة السيطرة علي الدولة المصرية. كان تغييراً شعبياً ناعماً بدعم من الجيش لإعادة مسار الثورة الشعبية المختطفة من قبل جماعة «الإخوان المسلمين». ومن ميدان رابعة العدوية خرج «الإخوان» بحديث «الشرعية» و«الخيار الديمقراطي» و«الرئيس المنتخب»، وبعد أن أيقن «الإخوان» أن لعبة «الربيع العربي» التي لعبوها بإتقان ليقفزوا منها على كراسي الحكم قد انقلبت عليهم وقلبت الكراسي على جماعة «الإخوان» بعد أن فشل مرسي في تحقيق مشروعه الذي وعد به إبان حملته الانتخابية، وبعد وصوله إلى السلطة وفشل المشروع «الإخواني» على أرض الواقع، عادت الجماعة للاعتصامات والتجمعات الاحتجاجية ولممارسة هواية الخطابة والتحشيد الجماهيري واستمرت الاعتصامات منذ 28 يونيو وحتى 14 من أغسطس، وبدا أن الجماعة تمارس ما برعت فيه لسنوات وهو تحشيد الشباب والدفع بهم والرهان على تيار العنف وتأجيجه في الشباب المتحمس «لشرعية الرئيس المنتخب» وصولاً لمواجهات دموية مع رجال الأمن والمجتمع المصري مع بقاء الدولة في حالة استنفار أمني. وبعد السقوط المدوي لـ«الإخوان» سرعان ما سعوا لنقل الحدث إلى خانة «المظلومية» التي يبرعون فيها، ليعيدوا إنتاج بكائياتهم التاريخية وتسليح شبابهم المغرر بهم بسلاح «المظلومية» و«الشرعية» الدستورية وشعار «رابعة» مع استباحة فعلية لدماء رجال الأمن ولشباب الحركات المناوئة لفكر «الإخوان» وللشعب المصري. ومع إعلان جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية دخلت مصر في مواجهة قد تكون هي الأكثر حدة ودموية مع «الإخوان» خاصة مع إيقانهم باستحالة عودة الأوضاع لما قبل سقوط نظامهم، وأن كراسي السلطة في مصر ضيعت وضاعت من جماعتهم، وتحول خطاب «الإخوان» إلى خطاب سياسي ممزوج بالمرارة و«المظلومية» يعمل على افتعال تصدع في المجتمع المصري ويقلق الاستقرار السياسي. لا توجد حلول سحرية للأزمة المصرية، ومن التبسيط إغفال دور الجماعات الإسلامية في صياغة طيف من الشارع المصري، وعلى الأطياف السياسية المصرية التعاطي بواقعية مع الأحداث وبالصبر. لإعادة صياغة الحياة السياسية تحتاج مصر للكثير من الجهود الوطنية لرأب الصدع السياسي والمجتمعي. إن لحظة العنف التي تعيشها مصر اليوم ستتخطاها الدولة والشعب المصري عبر خريطة الطريق المتبناة بعد الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية وعبر تبني قيم ومطالب ثوار 25 يناير بإنشاء دولة حديثة على أسس ديمقراطية حقيقية تؤسس للعدالة الاجتماعية وللاستقرار وتؤكد على تبني خيار مصر العلمانية الحديثة.