هجمة لليمين المتطرف في فرنسا.. وانتخابات على وقع التسريبات في تركيا مخاوف من هيمنة اليمين المتطرف الفرنسي على مجالس كثير من المدن الفرنسية اليوم في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية، وتفاقم أعمال العنف في العراق مع اقتراب موعد انتخابات الـ30 من أبريل التشريعية، وأردوغان يواجه لحظة التحدي اليوم في الانتخابات المحلية التركية. ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. زلزال البلديات ضمن تغطياتها المتعلقة بالانتخابات البلدية الفرنسية التي جرى شوطها الأول يوم الأحد الماضي ويجري شوطها الثاني اليوم الأحد، ذهبت صحيفة لوموند إلى أن ما تكشف عنه الاقتراع يمثل في الواقع زلزالاً بالنسبة لليسار الحاكم، واليمين التقليدي، حيث تمكن اليمين المتطرف ممثلاً في حزب «الجبهة الوطنية» وزعيمته مارين لوبن من تحقيق نتائج فاقت التوقعات. وذكرت الصحيفة ببعض مساعي الرئيس أولاند في مواجهة هذا التحدي السياسي المزعج، وبخاصة تأكيده على ضرورة التوافق على «عقد اجتماعي جديد»، بما يشمل تخفيض بعض الأعباء على الشركات والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وتحفيزهم على خلق الوظائف، لاقتناعه بأن تفشي البطالة واتساع النقمة العامة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية في صفوف الفرنسيين هو سبب التصويت العقابي الذي تعرض له الحزب الاشتراكي مؤخراً، وإن لم يستفد اليمين التقليدي أيضاً لأن سياسات وتركة زعيمه الرئيس السابق ساركوزي ما زالت هي كذلك حاضرة في أذهان الفرنسيين الذين اتهموه بالانغماس في أسوأ ممارسات ما يسمى الرأسمالية المتوحشة. ويكاد المراقبون للمشهد السياسي والحزبي الفرنسي يجمعون على أن مهمة الحزب الاشتراكي الحاكم في استحقاق اليوم الأحد 30 مارس ستكون صعبة للغاية، وإن كان يرجح فوز الاشتراكيين في العاصمة باريس. وقد تزايد استياء التيار الأكثر يسارية في صفوف الاشتراكيين والنقابات المحسوبة عليهم، ممن يرون في تدابير أولاند الرامية لتشجيع الشركات هدية مجانية لأرباب العمل، ورمزاً من رموز سياسات التقشف غير الشعبية. وقد زاد موقف أولاند صعوبة يوم الأربعاء الماضي مع نشر أرقام سيئة عن معدلات البطالة عن شهر فبراير، حيث اعتبر معارضو الحكومة أن اتخاذ تدابير جديدة لتحفيز سياسات التشغيل بات أمراً عاجلاً، ورأى آخرون أن خطة أولاند القاضية بتخفيض التزامات الشركات بما لا يقل عن 50 مليار «يورو» من هنا وحتى سنة 2017 في مقابل مبادرة الشركات بخلق وظائف عمل، هذه الصفقة تبدو غير كافية وحدها. وفي سياق متصل أيضاً بالانتخابات البلدية الفرنسية نشرت لوموند تحليلاً عن خطة حزب «الجبهة الوطنية» مؤكدة أن حزب اليمين المتطرف يراهن على المشاركة في أكبر عدد ممكن من الدوائر الانتخابية، مع تركيز خاص للهجمة على جميع المدن التي يصل عدد سكانها إلى 300 ألف. ولم يسبق للحزب أبداً أن شارك في انتخابات محلية بكل هذا القدر من اللوائح إلى حد الدفع بـ597 لائحة في بلديات لا يتجاوز عدد سكانها بعضها 1000 نسمة. ويراهن اليمين المتطرف على إمكانية المنافسة بقوة في 315 مدينة، من بينها 114 يزيد عدد سكانها على 300 نسمة. ولو قارنا الهجمة الانتخابية التي يشنها الحزب الآن على الناخبين الفرنسيين مقارنة مع انتخابات سنة 2008 نجد أنه حينها لم يدفع سوى بـ119 لائحة، ولم يتمكن من الاستمرار للشوط الثاني إلا في 9 مدن فقط من المدن الكبيرة التي يزيد عدد سكانها على الـ300 ألف، (مقابل 41 في 2001 و116 في 1995). ولا يبدو أن الحزب سيقبل الآن تفويت كل الفرص الممكنة في الشوط الثاني من الانتخابات المحلية، وخاصة أن النقمة المتجذرة ضد حزب ساركوزي «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، والاستياء من أداء اليسار الحاكم (الحزب الاشتراكي)، يغذيان أحلام السيدة لوبن باكتساح فرنسا الأعماق، وخاصة أن شعبية حزبها في بعض المدن الجنوبية المتوسطية تضرب الآن رقماً قياسياً. وفي مقال آخر للكاتب إيف تريّار في صحيفة لوفيغارو قلل من أهمية ما قال إنه الخطة الوحيدة التي يزعم الاشتراكيون أنها كفيلة باحتواء خطر صعود اليمين المتطرف وجبهته الوطنية، وهو حل غير عملي في الواقع ويتلخص في تشكيل «جبهة جمهورية» تشمل الحزب الاشتراكي وحزب «الحركة من أجل حركة شعبية» اليميني، وذلك لتطويق تحركات «الجبهة الوطنية». ولكن الحقيقة أن تقارب اليسار واليمين التقليدي ليس بهذه الدرجة من السهولة، تماماً مثلما أن الجهود الدعائية ضد الجبهة الوطنية طيلة الحملة الانتخابية الأخيرة لم تؤت أكلها بشكل واضح، والدليل على ذلك جولة بعض وزراء ساركوزي السابقين في عموم المناطق الفرنسية للتعبئة ضد اليمين المتطرف، ومع ذلك حقق في تلك المناطق بالذات أرقاماً قياسية من الأصوات في اقتراع يوم الأحد الماضي. هذا فضلاً عن كون التحالفات المرحلية العابرة، وخطط ردود الفعل السياسي الانفعالية، والمناورات الحزبية المؤقتة هي أكره ما يكرهه الناخبون عادة. ولو اتحدت قوى اليسار واليمين التقليدي ضد «الجبهة الوطنية» فقد يضخ ذلك رياحاً أخرى إضافية في أشرعة دعاية الحزب الديماغوجية، وستكون لذلك آثار عكسية غير مفيدة. العراق: عنف وانتخاب في صحيفة لوموند كتبت مريم بن رعد الباحثة في مركز الدراسات السياسية والدولية والمحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، مقالاً تحت عنوان «العراق بين الانتخاب والجهاد» قالت فيه إن أوضاع بلاد الرافدين تسير في نفق من الصخب والعنف والفوضى العارمة منذ عدة أشهر، وخاصة بعد تفكيك مخيم المحتجين السُّنة في مدينة الرمادي مع نهاية العام الماضي، وإرسال المالكي للجيش وقوات الأمن لقمع الاحتجاجات. والحال أن ما يجري في العراق من أحوال عدم استقرار متفاقمة يطرح أسئلة كثيرة ليس أقلها عن مستقبل بعض الاستحقاقات السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 30 أبريل المقبل، وأيضاً بسبب تنامي خطر بعض الجماعات المتطرفة، وخاصة بعد وقوع مدينة الفلوجة وهي مهد المقاومة ضد الاحتلال، في شهر يناير الماضي، بأيدي مسلحي تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف اختصاراً باسم «داعش». وطيلة الأسابيع والأشهر الأخيرة عادت وتيرة التفجيرات والهجمات العنيفة للارتفاع من جديد، في عموم العراق، متسببة في مقتل المئات من المدنيين، مؤكدة بذلك أن أفق السلام الداخلي والاستقرار ما زال يبتعد يوماً بعد يوم. والأخطر من هذا أن القليل هو ما يعرف عن حركات العنف، حيث لا يعرف عنها شيئاً من حيث تركيبتها السوسيولوجية، وتوجهاتها الأيديولوجية، وسقف أهدافها. والحال أن الحديث عن عودة جماعات العنف والإرهاب الآن لاستئناف نشاطها بزخم مثير للقلق، هو في الواقع حديث غير دقيق، ويستند إلى فرضية غير صحيحة، مؤداها أن العنف غادر العراق أصلاً منذ سقوط نظام صدام، وعاد إليه الآن. والحقيقة أن العكس هو الصحيح، تقول الكاتبة، بل إن جماعات الإرهاب والعنف العالمية تسللت للعراق حتى قبل الغزو الأميركي لذلك البلد. وطيلة سنوات ما بعد الغزو الأميركي في 2003 ظلت فترات الاستحقاقات الانتخابية خاصة تشهد أعلى معدلات الهجمات وأخطر أعمال العنف. وقد تمكنت بعض الجماعات المتطرفة من استغلال الاستياء السائد في المناطق السنية خاصة في غرب البلاد لتغذية أجواء الصراع الطائفي والمذهبي، وفي الذهن أن الاستياء وصل في سنة 2005 مثلاً إلى حد مقاطعة السنة للانتخابات. وفي تلك الظروف تم تحويل مسار المقاومة التي كانت في بداياتها ضد الاحتلال إلى اتجاه آخر ذي طابع مذهبي غذته ممارسات الحالة السياسية المرتبكة التي قامت بعد الاحتلال، والمتهمة على نطاق واسع بتبني سياسات مذهبية أيضاً. مأزق أردوغان نشرت صحيفة ليبراسيون مقالاً بعنوان «تركيا: أردوغان مجروح بشكل قاتل، ولكن لن يسقط في الحال» أكدت فيه أن رئيس الوزراء التركي يواجه الآن مأزقاً سياسياً حقيقياً، وهو يدخل الانتخابات البلدية اليوم في واحدة من أسوأ لحظات مشواره السياسي، بعدما تفاقمت ظاهرة التسريبات مؤخراً ودعاوى الفساد التي تردد فيها اسمه وأسماء بعض أكثر المقربين منه أهمية داخل حكومة حزب العدالة والتنمية. وخلال الشهر الموشك على الانقضاء وحده ظهر أكثر من عشرة تسريبات هاتفية، مما دفع أردوغان لترداد الاتهام لأطراف يقول إنها تتآمر عليه تأتي من ضمنها حركة حليفه السياسي السابق فتح الله جولن. ومع انتشار تسريب آخر يوم الخميس الماضي قرر أردوغان حظر موقع «يوتيوب»، بعدما كان قد حظر خلال الأسبوع الماضي أيضاً موقع «تويتر». والسؤال اليوم هو: هل سيتمكن أردوغان وحزب العدالة والتنمية من الفوز في الاقتراع مرة أخرى بعد كل هذه الفضائح والتسريبات؟ وهو سؤال طرحته الصحيفة على الخبير السياسي والكاتب التركي «أحمد إنسل»، الذي يرى أن هذه الانتخابات تحولت في الواقع إلى اقتراع ثقة حول أردوغان نفسه، مرجحاً أن يواجه مصاعب حقيقية فيها، ملاحظاً تركيز رئيس الوزراء خاصة على مدينته إسطنبول، التي ستكون نتائج اقتراعها باعتبار أهميتها مؤشراً وطنياً على التوجه والموقف السياسي العام، وإن كان أيضاً آخر استطلاعات الرأي الصادر يوم الخميس الماضي أفرز نتيجة ليست سيئة جداً لحزب التنمية والعدالة حيث توقع حصوله على 46% مقابل 27% لحزب الشعب الجمهوري وهو أهم أحزاب المعارضة. إعداد: حسن ولد المختار